كانت من نصيب بريطانيا التي نجحت في الحصول على موافقة جمعية الأمم ودول الحلفاء بأن تكون الدولة المنتدبة عليها عام 1920 على أن تقع عليها مسؤولية تنفيذ التصريح الذي صرحت به حكومة جلالة ملك بريطانيا في 2 /11 /1917 بأن ينشأ في فلسطين وطن قومي للشعب اليهودي الذي يعرف باسم «وعد بلفور ، والذي يعد مخالفا لكل القوانين الدولية بما فيه «عصبة الأمم» وشروط صك الانتداب.
ولأسباب عديدة لا يمكن فصل تاريخ سورية الحديث عن تطورات القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل التي أخذت أبعادها تتبلور مع صدور قرار التقسيم في 29 - 11 - 1947 ثم في حرب 1948 التي كانت أولى الحروب النظامية بين العرب وإسرائيل الدولة الاستيطانية العنصرية التي خلقتها الإمبريالية لتستقر في قلب الوطن العربي.
ثم التطورات اللاحقة التي شملت العمليات العسكرية المحدودة على خطوط الهدنة وكذلك انطلاقة الكفاح المسلح عام 1965 والتي كانت ذروتها حرب جوان 1967 واحتلال مرتفعات الجولان السوري وسيناء والضفة الغربية وقطاع غرة، ولما كانت معظم هذه التطورات قد تزامنت مع نشوء حزب البعث العربي الاشتراكي وولادته الرسمية عام 1947 ثم وصوله إلى السلطة عام 1963، فإن قراءة أولية لنشاطاته وسياساته تعكس أولوية القضية الفلسطينية والتعامل مع تطوراتها فأصبحت في صميم السياسة السورية ومصالحها في المنطقة العربية .
لذلك شغلت القضية الفلسطينية والصراع العربي – الإسرائيلي لدى صانع القرار السياسي السوري مكانة هامة ومتميزة، ومساحة واسعة من النضال والكفاح الدؤوب والمستمر باعتبار أن هذا الصراع بالغ الخطورة، لذلك فإن سوريا هي أكثر الأطراف العربية تأثراً بنتائج الصراع العربي الإسرائيلي، ومن ثم لابد أن يكون لها دورها وثقلها الخاص.
فمنذ عام 1967 و’’إسرائيل’’ تحتل جزءاً من الأراضي السورية «مرتفعات الجولان» وبذلك تعتبر سوريا إسرائيل تشكل تهديداً لأمنها القومي بسبب سياستها القائمة على التوسع والاستيطان. ولقد أكد الرئيس الراحل حافظ الأسد على التمسك بفلسطين وعروبتها باعتبارها جزءاً من الوطن العربي، وحدد سياسة سوريا الخارجية تجاه وحدات النظام الدولي بناءاً على موقفها من هذه القضية ، وأن ما قدمته سوريا وما ستقدمه من تضحيات في سبيل هذه القضية واجب مقدس، فهو جوهر الصراع مع العدو الصهيوني وأن سوريا ملزمة بالنضال من أجلها، ولن تتخلى عنها حتى يحقق الشعب العربي الفلسطيني تقرير مصيره ويقيم دولته المستقلة على أرض وطنه.
وهذه الثوابت لا يمكن المساومة عليها لارتباطها بالعقيدة القومية التي تؤمن بها سوريا، و التي شكلت جوهر ومضمون إدراك الأسد لهذه القضية حتى عام 1991 الذي انعقد فيه مؤتمر مدريد للسلام في منطقة الشرق الأوسط، ورغم التطورات التي حدثت وارتبطت بالقضية الفلسطينية بأشكالها ومستوياتها المتعددة، فإن إدراك الأسد لم يطرأ عليه أي تعديل أو تغيير في هذه الثوابت خلال الأعوام العشرة التي امتدت في إطار التسوية السلمية للصراع العربي الإسرائيلي حتى تاريخ وفاته عام 2000.
فالعلاقة بين الشعب الفلسطيني والتنسيق معه عفوي فطري طبيعي لا يخضع للسياسة،لذلك فمن أولويات السياسة الخارجية السورية في ظل حكم الرئيس بشار الأسد العمل على تحرير الأراضي العربية المحتلة.
لذلك تنظر سوريا إلى إسرائيل بأنها كيان مصطنع ودولة عدوانية توسعية لا نهاية لأطماعها في منطقتنا العربية، وبالتالي فهي حركة عنصرية تقوم على العدوان والتوسع والاستيطان والسيطرة بالقوة على الأراضي بما يخالف منطق التاريخ والأعراف والقوانين الإنسانية والدولية.
ومن هنا نجد أن الوجود الإسرائيلي في قلب المنطقة العربية وما تقوم به من نشاط للتوسع الاستيطاني وتغيير ملامح الأرض، والاستيلاء على مدينة القدس والعمل على تهويدها واعتبارها عاصمة أبدية لإسرائيل، والإعلان عن ذلك، ومحاولاتها المتكررة لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم ونظرية الأمن الإسرائيلي نفسها تمثل مشكلة ليس بالنسبة لسوريا وإنما
لكل الدول العربية، والسلاح النووي الإسرائيلي وما ينطوي عليه من خطر يشكل تهديداً وخطراً على الأمن القومي السوري بشكل خاص والأمن القومي العربي بشكل عام. أي بمعنى إن إسرائيل تشكل ذروة التحدي الاستعماري الصهيوني للأمة العربية ونقطة تحول وتنفيذ للمخططات الاستعمارية.
وكذلك فإن الوجود الأمريكي المتنامي عسكرياً وسياسياً واقتصادياً والقائم فعلاً في المنطقة العربية يمثل تهديداً لسورية وخاصة عند النظر إلى العلاقة الإستراتيجية المعلنة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في ضوء انفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم كقوة عظمى منفردة. وكما سبق القول كانت قضية فلسطين هي الهاجس الذي ظل يمثل فكر الشباب العربي في سورية وخارج سورية. وبالتالي حكم سورية بالنظر للقضية الفلسطينية، ثلاثة عوامل أساسية تتضمن: التكامل والوحدة العربية، والتسوية المتوازنة، وسورية الكبرى.
ونظراً لما تحملته سوريا نتيجة سياستها المبدئية في دعم كفاح الشعب الفلسطيني وحركات التحرر الوطني، فقد تعرضت لحملات أمريكية وأوروبية وصهيونية إعلامية مغرضة، بالإضافة إلى حملات غربية لمحاصرتها اقتصادياً.إن إسرائيل ككيان استيطاني عنصري إحلالي ستشهد نفس مصير الكيانات الاستيطانية المصدرة من الخارج، ولن تكون سوى محطة مرحلية على طريق هجرة اليهود من العالم القديم إلى إسرائيل، ومن إسرائيل إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا وغيرها من بقاع الأرض.
وأخيرا يمكن القول إذا كانت إسرائيل تتصور أنها ستكسب شيئا من تلك المجازر والمحارق التي تقوم بها في غزة فهي واهمة، ومن الغباء ألا تدرك إسرائيل أن عدوانها قد زاد من رصد الكراهية والبغضاء تجاهها في نفس كل فلسطيني وكل عربي وكل مسلم، بل أن دائرة السخط على إسرائيل والاحتجاج على حرب إبادة الفلسطينيين في غزة قد اتسعت لتشمل قطاعات واسعة من الشعوب في البلدان الغربية وفي بلدان آسيا وأمريكا الجنوبية التي شهدت الكثير من المظاهرات، ومن قصر النظر ألا تدرك إسرائيل ما ألحقته بأهل غزة من إصابات وجراح ستكون بمثابة جرس إنذار يدق على الدوام مستنهضاً كل الفلسطينيين وسائر العرب لتحرير فلسطين من الصهاينة، ولن يغيب عنها أن الأرض التي دفن فيها الشهيد ستنبت مقاومين ومناضلين أشد بأساً وأشد إصراراً على دحر العدو واستعادة الحقوق.