والرسمية لتكريس أسس الوفاق والتقارب ومد جسور المحبة والأخوة والعيش المشترك وقبول الآخر وتبادل الثقة في وطن واحد ليكون قاعدة المواطنة ومبدأ سيادة القانون والمساواة من اجل وطن يضمن للجميع العيش بحرية وكرامة.
الحضور المسيحي في معظم البلدان العربية يعود إلى نشأة الديانة المسيحية في بداية السنين الأولى الميلادية، ويشهد التاريخ بكل مراحله على وجود جماعات مسيحية عربية في مختلف مناطق الشرق، وبمجيء الإسلام بداية القرن السابع ميلادياً بدأ تاريخ مشترك جمع بين المسيحيين والمسلمين في الشرق العربي وحضارة مشتركة ورثت جميع الحضارات السابقة في هذه البلاد، حيث كانت حضارة بابل والحضارة الفرعونية أولى حضارات التاريخ.
أدت خبرة وتجارب الماضي بالمسيحيين والمسلمين إلى الانصهار في بوتقة واحدة هي الحضارة العربية، مع احتفاظ كل منهم بأصالته الدينية وخصوصيات عاداته وتقاليده.ويشكل هذا التراث الحضاري المشترك ضماناً لاستمرارية التفاعل الذي يواجه اليوم مستجدات لابد من استيعابها، وإمكانيات لا بد من بلورتها، وتحديات لابد من مواجهتها، وهذا كله يفتح الأبواب واسعة أمام مستقبل هذه الخبرة بكل حيويتها وأصالتها.
ان المسيحيين يتمتعون بحريات العبادة والنشر والكتابة واستخدام القنوات الإذاعية والتلفزيونية في معظم الدول العربية بما فيها بلدنا فلسطين، وتضائل القيود أمام وصول المسيحيين إلى معظم وظائف الدولة ومراتبها، وخصوصا في فلسطين والأردن ولبنان وسوريا، وحسن العلاقة بين المراجع الدينية المسيحية والإسلامية في جميع الدول العربية، وقيام هذه المراجع بتطويق أي حادث سلبي يطرأ على مسيرة العلاقات بين المسيحيين والمسلمين وتعمق القناعة لدى الشريك المسلم بان المسيحية العربية شريك أساسي في العيش والمصير وجسر حوار مع الغرب يمكن للإسلام العربي أن يستفيد منه إيجابا.
فأهم نقطة سلبية يجب العمل على تجاوزها بتعاون وتضافر الطرفين تكمن باستمرار الجهل الواسع بدين الأخر في عقائده وممارساته ونمط حياة أبنائه، والجهل يغذي تصورات مغلوطة ويصور الأخر على نحو قسوة ومخالف لصورته الحقيقية، ولتجاوز هذه الظاهرة، علينا أن نبلغ كمسيحيين المسلمين مرحلة المواطنة الكاملة بين المسلمين والمسيحيين، المواطنة التي تستلزم مساواة في الحقوق والواجبات، مساواة أمام القانون وفي الواقع، في المواطنة تنتفي فكرة الأكثرية والأقلية،وتنتفي فكرة القوى والضعف، فكرة الأصيل و الوافد، في المواطنة يعيش الجميع كرامتهم ويسهمون في نهضة بلادهم والدفاع عنها، في المواطنة تعود كرامة الإنسان ككائن رفعه الله تعالى على جميع الكائنات وأودع فيه روحه ,وأقامه سيدا على الأرض .أن ما يعانيه المسيحيون العرب يعانيه في الوقت نفسه المسلمون العرب وان هذه المعاناة أيا تكن أسبابها تشكل حافزا لعمل إسلامي مسيحي مشترك يحافظ على الحضور المسيحي العربي في النسيج الاجتماعي العام، ويحافظ على ما يميز به من تنوع وتعدد على أرضية مصالح الوطن ووحدته .
فالمتابع والمدقق في تطور العلاقات الإنسانية وتوجهات أتباع الديانتين المسيحية والاسلام يرصد تصاعد الاهتمام بالحوار الإسلامي المسيحي كضرورة لتخفيف التوترات في بقاع كثيرة من العالم، بالتوازي مع تنامي اتجاهات تركز على أهمية استحضار الرؤية الدينية للقضايا التنموية واستخدامها في سبيل التوعية وتطوير الخطاب الديني داخل كل دين عبر مؤسساته ومنابره وامتداداته وتوظفيها أيضا في تطور الأداء الاجتماعي والاقتصادي، وتشكيل الرأي العم المحلي والدولي الفاعل في الخدمة والتنمية الإنسانية.
يجب التاكيد على أن الحوار المسيحي –الإسلامي أصبح على المستوى الحياتي والمصيري المشترك حتمياً نظراً للأحداث و التغيرات في المنطقة. فالقضايا واحدة لأننا نحيا في وطن واحد، يحذونا أمل في مستقبل مشرق واحد، كما وان الحوار يؤصل المواطنة والهوية العربية للمسيحيين والمسلمين على حد سواء في الشرق الأوسط وان المنطقة التي خرجت منها المسيحية إلى العالم كله وما زالت هي المكان الذي يقصده مسيحيو العالم اجمع لزيارة الأماكن المقدسة. ومن هذه المنطقة أيضا خرج الإسلام إلى العالم وما زالت هي المكان الذي يقصده مسلمو العالم لأداء فريضة الحج.لذا اكبر مثال على التعايش المسيحي الإسلامي كانت القدس وما تزال كسابق عهدها قبلة للأنظار وملتقى الحضارات ومهبطاً للأديان السماوية الثلاث( اليهودية ،المسيحية والإسلام)، وتتجلى مظاهر الإخاء الديني في فلسطين بتعانق الجوامع والكنائس في مظهر ساحر قل نظيره في العالم، فمن يقصد فلسطين يسمع امتزاج أصوات المؤذنين مع قرع أجراس الكنائس حيث يعيش المسيحيون مع المسلمين جنبا إلى جنب في جو أخوي فريد من نوعه .