في حوار لـ«المغرب» أنّ الانتخابات التركية التي ستجرى اليوم الاحد ستكون حاسمة ومصيرية بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان خاصة في ظل الازمة الاقتصادية المتفاقمة التي تشهدها البلاد.
وتابع أنّ الاستعجال بإجراء هذه الانتخابات ناجم عن رغبة أردوغان بالحصول على أغلبية مريحة لفترة طويلة من الوقت قبل أن يخطو خطواته العملية في إطار تحالفاته خاصة مع الجانب الأمريكي.
• لو تقدمون لنا قراءتكم للانتخابات التركية المبكرة خاصة بعد الجدل والرفض الذي سبق ذلك ؟
هناك محوران لتوقيت الانتخابات: أولاً: من حيث الاقتصاد، هناك أزمة مالية كبيرة، فقد تدنت قيمة الليرة بقيم كارثية أمام العملات الأخرى، وازداد الدين العام. لقد أراد أردوغان خوض الانتخابات قبل أن تستفحل هذه الأزمة، ويشعر المواطنون بها بشكل مباشر، لأنها حتى الآن ليست محسوسة إلا من قبل الرساميل الكبيرة والمختصين.
ثانياً: في السياسة، لدينا معطيات بأن تركيا دخلت بشكل ما ضمن ما يُطلق عليه اسم صفقة القرن، صفقة التخلي عن فلسطين، عبر مفاوضات حصلت في زيارته الأخيرة في لندن. برز هذا لدينا في عودة رئيسة الوزراء السابقة، تانسو تشيللر، بعد زيارة الأخيرة الى واشنطن، وحملها رسائل معينة من قبل إدارة ترامب، ومن قبل جناح الصهر الصهيوني جاريد كوشنير. وإن ظهور تشيللر في الحملة الانتخابية الداعمة لأردوغان، ووضعها هذا في إطار «الشعور القومي»، يعبر عن قبول أردوغان بالمضي في الصفقة. وإنّ استعجاله بالانتخاب ناجم عن رغبته بالحصول على أغلبية مريحة لفترة طويلة من الوقت قبل أن يخطو خطواته العملية المطلوبة أمريكياً، ولو أنه أجرى الانتخابات في موعدها كانت شعبيته ستتأثر بفعل الرفض التركي العام لسياسة الولاء لأمريكا.
• ماهي توقعاتكم لهذه الانتخابات هل ستزيد من إحكام قبضة اردوغان على مفاصل الدولة؟
لدينا انتخابات رئاسية ونيابية متزامنة، وهذا يعقد قراءة الاحتمالات. خيار أردوغان الوحيد هو الفوز في كلا الانتخابين، أي فوزه بولاية رئاسية جديدة، وحصوله على 300+1 مقعد في البرلمان، بنفس الوقت. وأي خيار آخر سيعني استمرار انحداره. من جهتهم، يراهن المعارضون على أن يحققوا أغلبية البرلمان من جهة، وان يتمكنوا من حمل أحد مرشحي المعارضة للرئاسة إلى الدور الثاني، حيث يوحدون جهودهم حوله، من جهة أخرى. العثرة أمام كلا السيناريوين هو وضع حزب الشعوب الديمقراطي، المقرب من الحركة الكردية؛ فإذا تمكن أردوغان من أن يخفض أصوات هذا الحزب، عبر القمع الأمني والضغط والوسائل الإرهابية، تحت حاجز الـ10 %، سيفقد حق الدخول إلى البرلمان، وهذا يجعل حزب العدالة والتنمية يربح تلقائياً حوالي ستين مقعداً نيابياً. أما إن تمكن حزب الشعوب الديمقراطي من الحصول على 10 % على الأقل من الأصوات، في عموم البلاد، سيعني هذا على الأغلب عدم تمكن حزب العدالة والتنمية وحلفائه من تحقيق أغلبية نيابية.
وفي الانتخابات الرئاسية، تبدو القواعد الشعبية مجمعة أمرها على دعم المرشح الأوفر حظاً، أي محرم إنجي، مرشح حزب الشعب الجمهوري، وهو يجمع، إلى جانب الكاريزما الواضحة، صفات تقربه من مختلف الشرائح الشعبية، فهو علماني من حيث الإيديولوجية، وسني من بيئة محافظة، بل وإنه كان معلماً في مدرسة دينية، كما أنه مقبول عموماً من قبل العلويين، وكانت رسائله اتجاه الأكراد إيجابية، واستقبلوها بود وحفاوة حسبما ظهر في زيارته الأخيرة إلى دياربكر. بناءً عليه، إذا لم يدخل الغش في الانتخابات يتمتع إنجي بحظوظ جيدة.
• في ظل الملفات التي تشهدها المنطقة كيف ترون تاثير هذه الانتخابات على سياسة تركيا الاقليمية؟
في الميدان السوري، تشير المعطيات إلى تعاون استخباراتي تركي سعودي على الأرض. برز هذا بشكل واضح في الهجوم المشترك الذي شنته التنظيمات المسلحة التابعة لكل من هاتين الدولتين على بلدتي كفريا والفوعة، المحاصرتين في شمال سوريا. وهذا برأينا أحد انعكاسات ما سبق أن تكلمنا عنه عن انخراط تركيا في مخطط «صفقة القرن». وبنفس الوقت
هدد وزير خارجية تركيا، مولود جاويش أوغلو، علناً، ولأول مرة بهذا الشكل الواضح، بإحباط الحل السياسي في سورية «لتستمر الحرب بقدر ما تستمر» حسب تعبيره.
أي أن هناك مسعىً تركياً لاستخدام التفاهمات مع طهران وموسكو، حول سوريا، كوسيلة لترسيخ إنجازات ميدانية تخدم أمريكا وحلفائها. وبطبيعة الحال سيعزز فوز اردوغان بالانتخابات هذه السياسة، لأن بقية المرشحين وعدوا ناخبيهم بالانسحاب من المستنقع السوري، وحتى أن محرم إنجي وعد بلقاء الرئيس بشار الأسد. ولا نعلم ما هو رد دمشق على طلبه. في
الميدان العراقي، لا نعتقد أن الحملة التركية الأخيرة باتجاه جبال قنديل، شمال العراق، تتمتع بقدر كافٍ من الواقعية، وهي على الأغلب تتم لأهداف انتخابية. تريد تركيا أن تبقى حكومة بغداد المركزية ضعيفة قدر الإمكان، ولهذا تدعم مسعود البرزاني، وتمنحه منافذ استراتيجية للتجارة، وبيع النفط منفرداً. وبهذا تتمكن أنقرة من تخفيض حصة العراق من ماء دجلة والفرات منفردة، دون خشية من رد عراقي فاعل. وإن الطرف العراقي الوحيد الذي شكل تهديداً لسياستها الاستغلالية هذه هو الحشد الشعبي وحلفاؤه. بشكل عام، يمكننا القول إن فوز أردوغان سيرسخ الدور الذي ارتضاه لنفسه كرأس جسر لتقسيم المنطقة، وإثارة الفتن فيها. وهذا يفيد كيان الاحتلال الصهيوني أولاً، ويعد العدة لجهود إقرار صفقة القرن. وإن عودة تشيللر إلى الساحة من جديد، كما اشرنا أعلاه، هو وضع آلية رقابية على أداء أردوغان السياسي من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، مقابل عدم التخلي عنه، برأي عدد غير قليل من الباحثين والكتاب الأحرار.