وقوع حرب بعد الغاء واشنطن الاتفاق النووي مع ايران تزداد في ظل التطورات الجيوسياسية الاخيرة وقال ان الحرب لن تكون شاملةً ولكن تداعياتها ربما تصل إلى حد رسم خريطة جديدة للمنطقة كلها. واوضح وأنّ الأوضاع في المنطقة متوترة وهذا التوتر سابق لإلغاء الاتفاق النووي واضاف ان هناك العديد من المعطيات التي تصعّد هذا التوتر إلى الحد الذي قد يقود إلى حرب. أما بشأن العقوبات الامريكية على ايران والموقف الاوروبي فأكد ان أوروبا تقف الآن أمام قرار تاريخي يرسم مستقبلها على مدى العقود المقبلة، بين أن تنصاع بشكل مطلق للرغبات الأمريكية، وبين أن تعلن لنفسها موقفاً تعبّر من خلاله عن وجود مصالح أوروبية هي التي تتحكم بقرار الاتحاد الأوروبي .
• اين وصل الصراع الايراني الامريكي بعد مضي قرابة شهر على قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي ؟
طبعا ، يشكل الانسحاب الامريكي من الاتفاق النووي انتهاكاً لقرار دولي صدر عن مجلس الأمن تحت الرقم 2231.
هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء هذا القرار الأمريكي، ويمكن تلخيصها بما يلي: شخصية الرئيس الأمريكي الصدامية، وضحالة ثقافته السياسية، الأمر الذي يدفعه لاتخاذ قرارات دون إدراك مردودها السلبي على بلاده وعلى العالم ككل. وقد تم تسجيل العديد من السوابق في هذا المجال، كالانسحاب من اتفاقية المناخ، وتصعيد الحرب التجارية مع الصين، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. رغبة الرئيس الأمريكي بصرف الأنظار عن ملفاته الحافلة في الداخل الأمريكي، سواء على المستوى الشخصي الأخلاقي (وهناك الكثير من الملفات السوداء التي تتكشف تباعاً) أو على مستوى حملته الانتخابية (العلاقة المزعومة مع روسيا) .
انسياق الرئيس الأمريكي وراء الضغوطات التي تُمارس عليه من أطراف إقليمية في منطقة الشرق الأوسط لتعزيز الضغط على إيران. ويمكن هنا ذكر «إسرائيل» والسعودية بشكل أساسي. هو ينساق وراء الرغبات الإسرائيلية انطلاقاً من مواقف سابقة داعمة بشكل مطلق لكيان العدو، ومن أجل تحصيل تأييد اللوبيات الصهيونية الموجودة في واشنطن، وذلك في معركته المستمرة مع مراكز القوى المختلفة في العاصمة الأمريكية. أما انسياقه وراء الرغبات السعودية والخليجية فإنه يعود بشكل أساسي إلى استهدافه الحصول على المزيد من الدولارات السعودية والخليجية لتمويل سياسته التي تتركز على مقولة: «أمريكا أولاً».
ويبدو أن كل هذه الأسباب تتمحور بشكل أساسي حول شخصية الرئيس الأمريكي، وهذا ما تؤكده الاستطلاعات الأمريكية التي تؤكد أن حوالي السبعين بالمئة من الشعب الأمريكي يرفضون الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.
• وما الدور الاسرائيلي في كل ذلك؟
الدور الإسرائيلي فهو يبدو واضحاً جداً في هذا القرار، ولا سيما بصمة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو الذي حرّض ضد الاتفاق النووي في مؤتمره الصحافي الذي عقده قبل أيام. وقد أبدى نتنياهو سعادته الكبيرة بقرار ترامب، ما يدل على مدى مساهمته في صناعة هذا القرار. هناك في كيان العدو من يؤكد أن نتنياهو يلعب لعبة ترامب نفسها، وهي إثارة الغبار حول قضايا إقليمية ودولية، وقرع طبول الحرب في المنطقة، وذلك بهدف حرف الأنظار عن التحقيقات التي تجري معه بأكثر من قضية فساد، والتي قد تؤدي به إلى السجن.
هناك انقسام في الشارع الصهيوني حول الاتفاق النووي الايراني، إذ أن هناك من انساق وراء حملة نتنياهو على الاتفاق، في حين أن الكثير من المحللين والباحثين الاستراتيجيين الإسرائيليين يرون أن وجود الاتفاق أفضل من عدمه، وحذّر العديد منهم من مخاطر انسحاب واشنطن من الاتفاق، ما يعني أن هذا الانسحاب ليس مصلحة إسرائيلية وإنما هو مصلحة لنتنياهو نفسه.
• قال وزير الخارجية الفرنسي إن الاتحاد الأوروبي أحرز بعض التقدم بشأن إجراءات لحماية الشركات الأوروبية من العقوبات الأمريكية على إيران ..انطلاقا من ذلك كيف تقيمون الموقف الاوروبي وهل يمكن القول ان هناك حربا باردة بين اوروبا وواشنطن؟
تقف أوروبا الآن أمام قرار تاريخي يرسم مستقبلها على مدى العقود المقبلة، فهي بين أن تنصاع بشكل مطلق للرغبات الأمريكية، أي رغبات وبأي شكل ودون أي نقاش، وبين أن تعلن لنفسها موقفاً تعبّر من خلاله عن وجود مصالح أوروبية هي التي تتحكم بقرار الاتحاد الأوروبي بعيداً عن الهيمنة الأمريكية.
لا أحد يتوقع ان تتخلى أوروبا عن الولايات المتحدة، لا الآن ولا في المستقبل القريب، فالعلاقة بين الطرفين مصيرية لكل منهما. ولكن ما هو متوقع أن تنهض أوروبا للدفاع عن كرامتها أولاً وعن قرارها المستقل ثانياً، من خلال وضع حدود واضحة للسيطرة الأمريكية على السياسة وعلى الاقتصاد في القارة العجوز.
ما نشهده الآن هو إرهاصات تشي بأن الأوروبيين أدركوا أخيراً أنهم لا يمكنهم الانسياق وراء النزوات الأمريكية دون حدود، فهل ينتج عن هذا الإدراك قرار أوروبي واضح يضع خطوطاً حمراء تفصل بين المصالح الأوروبية الحيوية والفوضى الأمريكية في اتخاذ القرارات والتي يثيرها مجلس الحرب المتحكم بالحكم في واشنطن..هنا ينبغي انتظار التوجه الأوروبي الجديد، لا سيما في ظل وجود «ودائع أمريكية» في الاتحاد الأوروبي، وهي عبارة عن دول تخضع حكوماتها للسيطرة الأمريكية بشكل مطلق، وتنفذ السياسات الأمريكية دون تردد.
• وما قراءتكم للاتفاق الروسي الاسرائيلي بشأن منطقة خفض التوتر في سوريا وتداعياته على مصير سوريا والمنطقة؟
ما زالت ملامح التوافق الروسي الإسرائيلي حول موضوع الجنوب السوري غير واضحة وغير نهائية، وهي تعتمد بشكل أساسي على تصريحات إسرائيلية ومواقف لبعض المسؤولين الروس، والتي تحمل أكثر من تفسير.
لا أظن أن الطريقة التي يتم طرح الموضوع بها تعبّر عن واقع الحال، وإنما هي جزء من البروباغندا الإسرائيلية للتغطية عن الفشل الذي تعاني منه «إسرائيل» في التعاطي مع الأوضاع في سوريا. ولكن، حتى في ظل ما يتم تداوله من معلومات وتصورات حول التفاهم الروسي الإسرائيلي، فإن الأجواء تبدو إيجابية جداً لسوريا ولمحور المقاومة بشكل عام. فالنتيجة التي يمكن استخلاصها هي أن الدولة السورية ستسيطر على كامل الجنوب السوري، من الجولان إلى الحدود الأردنية وصولاً إلى منطقة التنف، وهذا يعني توسيعاً كبيراً ولافتاً لسيطرة الدولة السورية على أراضيها.
ومن خلال هذه السيطرة يمكن القول إن محور المقاومة تمكن من إزالة خطر كبير وداهم كان يتهدد الحكم في سوريا، هو خطر الإرهابيين المتمركزين في الجنوب السوري والمدعومين من الأمريكيين والصهاينة وبعض الأنظمة العربية.
أما ما يروّج له العدو من «إنجاز» يتمثل بإبعاد إيران وحزب الله عشرات الكيلومترات عن منطقة الجولان المحتل، فإن هذا الأمر يحتاج إلى الكثير من التدقيق، ويطرح الكثير من الأسئلة حول الفارق بين وجود الدولة السورية ووجود حلفائها في المنطقة، عند وصول المسألة إلى حد «الحاجة» إلى استعمال هذه المنطقة في أي مواجهة مفترضة مع العدو.
من هنا يمكن القول إن ما يتم طرحه من اتفاق هو مجرد قنبلة دخانية يتم رميها للتعمية على الاعتراف الإسرائيلي الأمريكي «العربي» بالهزيمة في جبهة أخرى من جبهات المواجهة بين الدولة السورية وبين الإرهابيين، وهي جبهة الجنوب السوري التي باتت تشكل عبئاً كبيراً على ممولي الإرهاب في سوريا.
• هل تتوقعون حربا أم أنها مناورة سياسية امريكية جديدة وأين ساحة الحرب إن وقعت؟
الأوضاع في المنطقة متوترة بالفعل، وهذا التوتر سابق لإلغاء الاتفاق النووي، وليس ناشئاً فقط عن هذا الإلغاء، وإنما هناك العديد من المعطيات التي تصعّد هذا التوتر إلى الحد الذي قد يقود إلى حرب. إلغاء الاتفاق النووي سيصعّد التوتر أكثر بلا شك، وسيجعل الأوضاع في المنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات.
أما الإجابة عن السؤال حول اندلاع الحرب من عدمه، فأنا أعتقد أن كبار القيادات في المنطقة والعالم لا يملكون الإجابة الشافية عن هذا السؤال، وإنما هم يتعاملون مع الوقائع يوماً بيوم ولحظة بلحظة، لأن أي خطوة ناقصة قد تقود إلى تداعيات توصل إلى حرب، دون أن يعني أن اندلاع الصراع العسكري بات محتوماً.
هناك من يقول إن الحرب واقعة واقعة، ولكن الخلاف حول الموعد. وأنا أؤيد هذا الكلام، ولكن أوضح أن هذا الموعد قد يكون اليوم، وقد يكون بعد سنوات، وهذا يعتمد على أفعال وردود أفعال الأطراف المختلفة. لا يمكن الآن القول إن الحرب ستبدأ من قطاع غزة مثلاً، أو من جبهة الجولان، أو من جبهة جنوب لبنان، أو في سوريا أو في إيران. كل هذه الجبهات مرشحة لأن تكون فتيل اشتعال الحرب الإقليمية الشاملة إذا وقعت. باعتقادي أن الحرب تكون شاملةً أو لا تكون، ولذلك فإن تداعيات حرب من هذا النوع ستكون جيواستراتيجية، وربما تصل إلى حد رسم خريطة جديدة للمنطقة كلها . ومن خلال ما أومن به، فأن النصر في هذه الحرب سيكون لمعسكر المقاومة.