قادما من رحلته إلى بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية أين استغرقت زيارته ثلاثة أسابيع وقع فيها عديد الاتفاقات تخص المشاريع الكبرى السعودية التي يديرها محمد بن سلمان مباشرة و التي تندرج في إطار إستراتيجية الخروج من التبعية للنفط. و اتسمت إقامته في العاصمة الفرنسية بطابع ثقافي بعيد عن المشاريع الاقتصادية الضخمة للمملكة.
كان رجال الأعمال الفرنسيون يأملون في إقناع الأمير السعودي، الماسك بزمام الأمور في الرياض، في تشريك فرنسا ومؤسساتها الصناعية في المشاريع المبرمجة من قبل القصر الملكي لتطوير البنية التحتية و الصناعة السعودية في إطار التحول التكنولوجي العالمي. لكن الزيارة اقتصرت على الموافقة على بعض المشاريع الثقافية و التي لا تمكن فرنسا، إلى حد الساعة، من المسابقة على العقود المربحة التي تمتعت بها الشركات الأمريكية و البريطانية.
ثلاثة مشاريع ثقافية
وافق ولي العهد السعودي على تمكين فرنسا من تجهيز مركب العلا الأثري قصد تدشينه لفائدة السياح الأجانب الذين تنوي المملكة منحهم تأشيرات سفر سياحية في المستقبل. و تقرر التعاقد مع مؤسسات فرنسية لبناء أوبرا و تكوين فرقة موسيقية سنفونية وطنية لمدينة جدة.
إختيار فرنسا كشريك ثقافي يرجع إلى سببين. الأول العلاقة الشخصية التي تربط محمد بن سلمان بفرنسا أين اشترى قصرا فاخرا بأسلوب لويس الرابع عشر، في منطقة لوفسيان، بقيمة 275 مليون يورو. و الثاني النجاح الملحوظ للمشاريع الثقافية في دولة الإمارات العربية التي أسستها فرنسا مثل قصر اللوفر و جامعة الصربون و مؤسسات ثقافية أخرى. القرب بين القادة الإماراتيين و محمد بن سلمان و روابطهم الإستراتيجية في إدارة منطقة الخليج جعلت من فرنسا الشريك الثقافي الذي يمنح منطقة الخليج بريق الحضارة الفرنسية الأساسية في جلب السياح.
اختلافات إستراتيجية
توزيع نوعية العلاقات بين الولايات المتحدة (السلاح و التكنولوجيا) و بريطانيا العظمى (السوق المالية ) و فرنسا (السند الثقافي) أخفى اختلافات استراتيجية بين فرنسا و السعودية فيما يخص العلاقة مع قطر و إيران. و حسب ما تم تسريبه من قصر الإيليزي فلم يتمكن محمد بن سلمان من تغيير الموقف الفرنسي تجاه إيران و قطر. فقد تمسك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدور الوساطة الذي تريد فرنسا لعبه في الخلافات الإقليمية ، خاصة بين قطر، التي لها علاقات متميزة مع فرنسا، و المملكة السعودية.
أما الملف الإيراني فلا ترى باريس ضرورة في إعادة التفاوض في شأن الاتفاق النووي الممضى من قبل مجموعة 5+1. و لكنها مستعدة للتفاوض في عقوبات جديدة ضد إيران في ملف الصواريخ البالستية. لكن هل تكفي هذه «التسهيلات» في تقوية الدور الفرنسي في المجال الاقتصادي؟ فرضية صعبة اعتبارا للمناخ العام الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية التي تبقى الشريك الأول و الأساسي للمملكة العربية السعودية.