قرر الرئيس الامريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لـ «اسرائيل» ونقل سفارة بلاده اليها في خطوة غير مسبوقة من شانها ان تشعل فتيلا لازمات جديدة في المنطقة وتؤجج من خطورة الوضع المحتدم اصلا في فلسطين ... وسط تحذيرات غربية وعربية في حين دعت الفصائل الفلسطينية الى «جمعة غضب» من المرتقب ان تحمل معها تطورات خطيرة...واعلن ترامب امس ان هذه الخطوة تأخرت كثيرا ..
لا يمكن ترقب مدى خطورة هذا القرار على القضية الفلسطينية بالأساس وعلى ما يسمى ب «صفقة القرن « تحديدا والتي جاء بها ترامب نفسه من اجل اعادة المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية ويشرف على هندستها صهره وكبير مستشاريه حول الشرق الاوسط جاريد كوشنر. واحتلت «اسرائيل» القدس الشرقية العربية في حرب عام 1967 وضمتها في وقت لاحق.
وتطرح تساؤلات عديدة حول الاسباب التي تدفع ساكن البيت الابيض الى اتخاذ هكذا خطوة مع كل ما تحمله من عواقب يعرفها القاصي والداني .. والاكيد انها جاءت في ظل وضع عربي هش تحكمه الانقسامات والنزاعات اكثر من أي وقت مضى ...مما افسح المجال للرئيس الامريكي الى تقديم «هدية» لحليفه الاسرائيلي ضاربا عرض الحائط بكل القرارات الدولية والأممية المتعلقة بوضع القدس... ويبقى التحدي الاكبر هو كيفية مواجهة هذا القرار على المستويين الفلسطيني والعربي.
والمعلوم ان القرار المتعلق بنقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس سنه الامريكيون في سنة 1995 وقد اعتاد كل رؤساء الولايات المتحدة على ارجاء تنفيذه مستندين إلى بند فيه يمنح الرئيس حقّ الإرجاء لمدة ستة أشهر. لكن ترامب كسر كل القواعد حينما ابلغ الرئيس الفلسطيني محمود عباس وكذلك العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني والملك السعودي عزمه بدء تنفيذ نقل السفارة . و دعت القوى الوطنية الفلسطينية إلى «أيام غضب شعبي» تنديدا بقرار الرئيس دونالد ترامب .
ضعف عربي
ويرى محللون ان هذا القرار بمثابة وأد لحل الدولتين ويعتبر الكاتب الفلسطيني عابد الزريعي ان توقيته يأتي في اللحظة التي يتم فيها الحديث عن صفقة القرن ويشير محدثنا الى ان هناك نوعا من التوافق او التقاطع في الرؤية الامريكية وبعض الاطراف العربية . ويضيف بالقول :« لا نستطيع ان نفصل بين ما دار بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي قال له عليك ان تقبل بابو ديس كعاصمة لفلسطين .. ان اعتبار القدس عاصمة لاسرائيل من حيث المضامين مخالف للشرعية الدولية لان اقامة سفارة في منطقة محتلة غير شرعي وسبق ان كان هناك قرار اممي باعتبار القدس اراضي محتلة». ويرى الزريعي ان هناك نوعا من الاستفزاز والتحدي لمشاعر الفلسطينيين والعرب والمسلمين كافة والمسالة الاساسية هي مواجهة تداعيات هذا القرار وقال ان بعض المواقف العربية لا تعي خطورة هذه الخطوة .. لذلك فالمطلوب في ضوء ذلك ان يتم العمل على مستويين الاول المستوى العادي الذي يعكس ردة فعل جماهيرية عربية اسلامية ويحمل رسالة للولايات المتحدة بانّ هناك رفضا قاطعا للموضوع ثانيا يجب أن تكون هناك مواجهة سياسية من خلال رؤية استراتيجية مشتركة وجادة ومبرمجة وليس على شكل ردات فعل عابرة ..ويضيف :«اسرائيل في المنظور الاستراتيجي الأمريكي هي في مكان يحمي مصالحها في الشرق الولايات المتحدة وهي تمر بلحظة انكفاء دولي استراتيجي في ظل التغيرات الدولية بالتالي هي تقوم بخطوات متسارعة لتوفير كل الضمانات للقيام بدورها في المنطقة .كما ان الوضع العربي بتناقضاته يساعد الادارة الامريكية على اتخاذ مثل هذه القرارات لاسيما ان راس السلطة الان في «اسرائيل» يتقاطع مع راس السلطة في امريكا».
تداعيات خطيرة
من جهته، اعتبر الكاتب اللبناني حمزة الخنسا لـ»المغرب» ان الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، تستغل ظروفاً سياسية وأمنية مؤاتية لإعلان اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإقرار خطوة نقل السفارة إليها. هذه الظروف التي منعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عام 1995 حين أصدر الكونغرس قانوناً يعلن بموجبه القدس عاصمة لإسرائيل ويدعم نقل السفارة الأمريكيّة إليها بحدّ أقصى في 31 ماي 1999 .
واضاف :» ليس في الأفق ولا من المؤمل أن تؤدي خطوة ترامب - في حال إقرارها –الى أي ردود فعل عربية يُعتدّ بها على المستوى الرسمي، كما على المستوى الشعبي، حيث ستنحصر ردود الفعل - كما هو واضح - في المحور المعادي لإسرائيل قولاً وفعلاً في لبنان وفلسطين وسوريا وباقي دول وحركات محور المقاومة.» ويضيف :»الأخطر مما يمكن قراءته من خطوة ترامب هذه، هو الإعلان عن مستوى جديد من تصفية القضية الفلسطينية، هذه المرة بمباركة عربية - إسلامية، مهدّت العديد من الدول العربية «الريادية» لهذه الخطوة عبر مجموعة كبيرة من السياسيات والقرارات حاولت بموجبها ضرب كل موارد القوة التي تمتلكها الأمة في مواجهة إسرائيل، تحت مبررات وحجج أبرزها الإرهاب والتطرف. وعن خطورة هذا القرار يجيب :«ويكمن الضرر البالغ لمرور قرار ترامب اعتبار القدس عاصمة لـ«دولة إسرائيل»، في تغيير وضع القدس الذي كان مؤجلاً إلى ما يسمي «الحل النهائي»، وبالتالي ووفقاً لهذا القرار سيتكون القدس كلها عاصمة لدولة الاحتلال، وبالتالي، فإن دور الولايات المتحدة كراعٍ حصري لمفاوضات السلام بين الطرفين منذ اتفاقية أوسلو عام 1993، تكون قد وضعت حداً للمسار الطويل من المفاوضات غير المجدية، حول «منح» الفلسطنيين حق إعلان «القدس الشرقية» عاصمة لدولتهم غير الموجودة بعد».
اية خيارات؟
هل سنشهد هبة فلسطينية حاسمة ؟ يجيب محدثنا :«إن الموقف الفلسطيني بشكل عام منقسم إلى 3 أقسام.القسم الأول هو الشق الرسمي المتمثل بالسلطة الفلسطينية التي لا تمتلك أكثر من الانسحاب من أي مفاوضات مع الطرف الإسرائيلي، كسلاح ضغط على الطرفين الأمريكي والإسرائيلي.والقسم الثاني وهو الفصائل الفلسطينية التي ظلت تؤمن بالمقاومة كخيار استراتيجي لاستعادة الحقوق، وهي اليوم أمام امتحان كبير بعدما جرى اعلان خطوة ترامب مباشرة بعد اعلان المصالحة الفلسطينية التي ظلت منتظرة لوقت طويل، وبالتالي عقّدت حساباتها في مواجهة الخطوة الأمريكية. والقسم الثالث وهو الشعب الفلسطيني الذي يبقى محطّ الرهان الدائم لابتكار حالة مقاومة جديدة في القدس والضفة خصوصاً على غرار ظاهرتي الدهس والسكاكين، كشرارة تُشعل قد تهدد بإشعال انتفاضة عارمة.
أما في ما يتعلق بالموقف العربي المرتقب، فيرى محدثنا انه محدود بسقف المبادرة السعودية/العربية للسلام التي طُرحت في قمة بيروت عام 2002، والتي قد يجري «التلويح بتجميدها» على الرغم من عدم قبولها من قبل الإسرائيليين في الأساس. غير أن خلو جعبة الأنظمة العربية من أية خيارات استراتيجية في للتعامل مع تطورات الملف الفلسطيني، يجعل من المبادرة السعودية أهم الأوراق التي قد يلجؤون إليه.
ويضيف بالقول :«وفيما تجنح السعودية بخطوات متسارعة إلى السلام مع كيان الاحتلال بتنسيق وتناغم تام مع الطرف الأمريكي، تأتي خطوة ترامب لتؤكد على فشل «الركون تحت المظلة الأمريكية» كخيار استراتيجي للسعودية والأنظمة العربية، وكعنوان عريض للسياسات العربية. ويثبت مرة جديدة أن كل الصفقات والمليارات العربية لا تؤثر في القرار الأمريكي الكبير المتعلق بحماية إسرائيل ودفع محيطها إلى تقبّلها والإقبال عليها.وفي هذا السياق، لا يمكن فصل ما كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية من فحوى «مبادرة» سعودية للتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أعدّها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتشمل إقامة دولة فلسطينية على مناطق غير مترابطة إقليمياً، في الضفة الغربية، مع بقاء المستوطنات الإسرائيلية فيها، مع إسقاط بند عودة اللاجئين للعيش في كنف دولتهم الوليدة، التي لن تكون القدس عاصمة لها، بل ستكون قرية «أبو ديس» في القدس هي العاصمة».
واوضح الكاتب اللبناني ان قرار نقل السفارة الأمريكية الى القدس، ربطها ترامب بمهلة زمنية قد تكون بين 3 أو 4 سنوات بحجة إيجاد مكان مناسب جغرافياً وأمنياً لإنشاء السفارة. وهذه الحجة ارادها الأمريكيون لاستيعاب أي ردود فعل من العرب والمسلمين، ومن الرأي المجتمع الدولي، حيال قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال. وعليه، قد تكون فرصة مناسبة لتسليف الأنظمة العربية موقفاً مناسباً للترويج شعبوياً بأن الضغوطات التي مارسوها أثمرت عن تأجيل القرار، هذا من جهة. ومن جهة ثانية قد تُستثمر في عملية الضغط على السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي من أجل العودة مجدّداً إلى طاولة المفاوضات لاستئناف ما يُسمى بـ«مفاوضات السلام»، على طريقة ترامب وابن سلمان.
ترامب يعترف بالقدس عاصمة لـ«اسرائيل»
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب امس ، الأربعاء، أنه "آن الأوان للاعتراف رسميا بالقدس عاصمة لإسرائيل"، في تحد للدول العربية والغربية التي كانت قد حذرت من خطورة هذه الخطوة.
وأضاف ترامب، أن قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل "تأخر كثيرا".
وأشار إلى أن "العديد من الرؤساء قالوا إنهم يريدون القيام بشيء ولم يفعلوا"، مشير ا إلى أنه "لا يمكن حل مشاكلنا باتباع نفس الأخطاء في الاسترايتيجيات السابقة".
يذكر أن ترامب أجرى سلسلة من الاتصالات،امس الاول الثلاثاء، ليبلغ عددا من قادة المنطقة العربية بقراره نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
وأثارت الخطوة ردود فعل غاضبة من دول عربية وإسلامية، رفضا لها، فيما دعت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لاجتماعات طارئة لبحث الردود المناسبة.
موغيريني تؤكد لعباس: يجب التفاوض على وضع القدس
قالت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني للرئيس الفلسطيني محمود عباس إن وضع القدس كعاصمة لكل من إسرائيل ودولة فلسطين المستقبلية يجب أن تتم» تسويته من خلال المفاوضات «بين الجانبين.
وخلال اتصال هاتفي مع عباس امس حول خطط الولايات المتحدة لنقل سفارتها إلى القدس، دعت موغيريني أيضا إلى «ضبط النفس في أي رد فعل على الإعلان المتوقع».
وقال مكتب موغيريني إن عباس قبل دعوتها للانضمام إلى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لإجراء محادثات في جانفي المقبل
ومن المتوقع أن يشارك رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ظهور نادر في اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم الاثنين المقبل.