لتوضيح المبادئ العامة التي تهيكل نظرته لإعادة بناء المشروع الأوروبي. و أكد على أن ذلك لن يقع إلا بمشاركة الجميع في «إلقاء نظرة نقدية، بدون تحفظ، على السنوات الأخيرة» من الأداء الأوروبي.
و اعتبر ماكرون أن الأزمة اليونانية تعتبر أحسن مثال على «فشل أوروبا» و أنها ليست أزمة يونانية بحتة «لأننا لم نكن في مستوى الوعود الأوروبية». و طالب الأوروبيين باعتناق الحلم الأوروبي و بإتباع «طريقة جديدة» شاملة لبناء أوروبا المستقبلية. و اعتمد في أولوياته لبناء أوروبا الجديدة ثلاثة مبادئ «السيادة و الديمقراطية و الثقافة».
السيادة الأوروبية
ركز الرئيس الفرنسي على فكرة أن إعادة بناء المشروع الأوروبي يقترن بمبدأ السيادة التي لن تكون «سيادة وطنية» بل «سيادة أوروبية» جماعية. وهو ما يحتم إعادة صياغة القوانين التي تربط البلدان الأوروبية الأعضاء. من ناحية أخرى، يعتقد ماكرون أن تركيز سيادة أوروبية هو الحل لتنامي «الفكر القومي» السيادي عبر صعود الحركات اليمينية المتطرفة في مختلف البلدان الأوروبية.
واعتبر ماكرون، الذي خاطب رئيس الوزراء اليوناني المشارك في اللقاء، أن السيادة الأوروبية تمر عبر «إصلاح المؤسسات» الأوروبية من أجل «بعث إدارة قوية و ميزانية لمنطقة اليورو و مسؤول تنفيذي وبرلمان للمنطقة». وهي اقتراحات تشكل ثورة حقيقية في مسار المشروع الأوروبي.
تدعيم التوجه الديمقراطي
المبدأ الثاني بالنسبة للرئيس ماكرون يتمثل في تطوير أسس الديمقراطية الأوروبية. وهو ينطلق من قراءة نقدية للوضع الراهن تمثلت في رصد الإخفاقات على مستوى الهياكل و المؤسسات الجماعية و في بعدها عن الأوروبيين. لذلك اقترح إعطاء المشروع الديمقراطي «قوة جديدة بخلق برلمان لمنطقة اليورو تمكن من إرساء قواعد المسؤولية الديمقراطية لصانعي القرار».
هذه الهيكلة الجديدة المقترحة تضرب عرض الحائط بالبرلمان الحالي و تمكن من منح منطقة اليورو، التي تصبح الهيكل الأساسي للإتحاد الأوروبي، هيئة تمثيلية تتحكم فيها شعوب أوروبا. في هذا الاتجاه اقترح ماكرون أن تنظم خلال السداسي الأول من عام 2018 «استشارة ديمقراطية» تشارك فيها كل المجتمعات الأوروبية في لقاءات تنتج مقترحات جماعية لبناء الديمقراطية الأوروبية المنشودة للعشر سنوات القادمة. و اقترح كذلك فكرة إرساء قائمات انتخابية أوروبية غير وطنية بل تحتوي على مرشحين أوروبيين ينتمون إلى بلدان مختلفة. وهي فكرة يمكن أن تطيح بالتنظيمات السياسية الحالية (أحزاب و منظمات سياسية) التي أخفقت في تدعيم الديمقراطية الأوروبية. وهو يرى أن الرد على «البريكست» لا يمكن أن يكون الاعتكاف حول الذات بل تركيز التوجه الديمقراطي المفتوح.
دعم الثقافة
البعد الثالث للمشروع الأوروبي، بالنسبة للرئيس ماكرون، يتعلق بالشباب الأوروبي. و قال «السيادة و الديمقراطية و الثقافة هم مستقبل الشباب» الأوروبي. و ركز على فكرة أن «أوروبا الأدب و المقاهي و النقاشات العمومية و العيش المشترك و المدنية لا توجد في أي مكان آخر وأن ركنها الأساسي هو الثقافة». هذا البعد الثقافي هو الذي سوف يمكن الأوروبيين من تأصيل كيانهم و تعميق وعيهم بالأسس المشتركة الضاربة في التاريخ المشترك وهي تتجسد في المجلات و المكتبات والعواصم قبل أن تتجسم في القوانين و المؤسسات.
طرح الرئيس ماكرون بهذه المناسبة مشروعا يمكن أن يعتبر طوبويا لما له من قابلية أن لا يتحقق بسهولة. وهو نظرة شخصية لا يشاطرها عديد القادة في أوروبا. يبقى أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي تشاطر ماكرون حرصه على تطوير المشروع الأوروبي، والتي هي قادمة على انتخابات حاسمة في آخر هذا الشهر، لها دور حاسم في نحت مستقبل أوروبا. وهي لم تدل إلى حد اليوم بنظرتها لإصلاح أوروبا. أما المبادئ العامة فهي قابلة للتطبيق في صورة قبل الجانب الفرنسي التخلي عن النظرة الأحادية الإيديولوجية و الدخول في نحت سياسة برغماتية يكون التقشف فيها أحد عناصر النجاح.