الاستفتاء الكردي على الانفصال : العراق بين الحرب على الارهاب واستحقاق الانفصال والوحدة

يواصل الجيش العراقي حربه ضد تنظيم داعش الارهابي ، وأعلن امس رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بدء العمليات العسكرية لاستعادة مدينة تلعفر شمال العراق، آخر أكبر معاقل تنظيم داعش في محافظة نينوى. وفي خضم هذه الحرب المصيرية ،جاء اعلان رئيس اقليم كردستان العراق عن اجراء استفتاء «الانفصال» في سبتمبر المقبل ، ليثير ردود افعال

عديدة رافضة ومتخوفة من تداعيات هذا الاستفتاء وتأثيره على وحدة العراق .

ولئن اكد بارازاني ان نتائج الاستفتاء غير ملزمة وانه فقط يختبر اتجاهات التصويت ازاء الوحدة او الانفصال ويتمحور بالأساس حول استطلاع رأي سكان المحافظات الثلاث في الإقليم «أربيل والسليمانية ودهوك»، إضافة إلى مناطق الأكراد خارج إدارة الإقليم منها كركوك المتنازع عليها مع حكومة بغداد ، إلا أن عديد المراقبين يرون ان توقيته ليس مناسبا ، وذلك في ظل اقبال البلاد على استحقاقات مصيرية اولها محاربة داعش والقضاء على فلوله . في هذا السياق اكد العبادي، أن إجراء الاستفتاء، سيعقد الأمور، بدلا من حل المشاكل العالقة، بين حكومته وأربيل.

هاجس الاستقلال؟
لقد ظل هاجس الانفصال وإقامة الدولة الكردية المستقلة يراود اكراد العراق والمنطقة ..فقد كانت هناك محاولات عديدة سابقة لوح خلالها الاكراد بالاستقلال عن العراق ، لكن هذه المرة استبق البرزاني الاحداث والتغيرات الدائرة في المنطقة ، محاولا ترسيخ معادلة كردية جديدة، في وقت يعاد فيه رسم خرائط المنطقة وفق « الشرق الاوسط الجديد» .
ويشار الى ان هناك عدة اسباب تدفع الاكراد للمطالبة بالاستقلال عن العراق منها الخلافات بين حكومتي بغداد واربيل على عدة قضايا وملفات شائكة، وكذلك توزيع العائدات وتحديد حدود كردستان وحصة الاقليم من الموازنة المالية للاتحاد . علاوة على ازمة كركوك واقتسام كعكة النقط.
والملاحظ ان هناك رفضا غربيا واقليميا لإجراء الاستفتاء .وتأتي ايران وتركيا في طليعة الرافضين فيما يؤكد مرارا الاتحاد الاوروبي على اهمية دعم وحدة الاراضي العراقية وحل المشاكل العالقة عبر الحوار.
وتتأتى المواقف الاقليمية من مخاوف الدول التي تضم اقليات كردية ،مثل تركيا وايران وسوريا ، من ان تصل عدوى الانفصال الى اراضيها . فالجانب التركي يرفض قيام اية دولة كردية سواء داخل حدوده او في الجوار العراقي . وايران من جهتها تخوض صراعا مع حزب «الحياة الحرة» الكردستاني والذي يعتبر امتدادا لحزب العمال الكردستاني ويطمح لإقامة حكم ذاتي.

موقف الولايات المتحدة جاء اكثر غموضا فقد دعا وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، بارزاني، الى تأجيل تنظيم الاستفتاء، مؤكدا على اهمية مواصلة الحوار مع بغداد، دون اعلان رفضه الصريح لمبدإ الانفصال . وتجدر الاشارة الى ان هناك تقاربا امريكيا – كرديا غير مسبوق باعتبار ان الأكراد يشكلون قوة فاعلة ويلعبون دورا رئيسيا في الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش الارهابي. وقد دعمت امريكا وحدات حماية الشعب والفصائل الكردية في سوريا بالسلاح والعتاد .

صراع مجتمعي
يقول الكاتب العراقي نصيف الخصاف ان الاستفتاء موضوع معقد جدا مشيرا الى ان الحكومات المركزية في بغداد لم تستثمر الأموال الكبيرة لغرض التنمية مما يجعل المواطن الكردي يفضل الارتباط مع عراق متطور خال من المشاكل الاجتماعية والصراعات المجتمعية والتمييز العرقي او الطائفي ، عراق يجد فيه المواطن الكردي فرصة لتنمية وازدهار وضعه الاقتصادي اكثر مما يجده في اقليم كردستان.
واكد ان قادة الاحزاب الاسلامية في الحكومة المركزية بكافة طوائفهم ، خلقوا بيئة من الصراع المجتمعي بين الطوائف والقوميات وصل الى حد الإقتتال والحرب الأهلية. ولم يوفروا لأبناء البلد شيئا يساهم في تطوير اوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية ولم يوجدوا فيها ميادين تنافس على الابداع والخلق والتطور ولم يستطيعوا حتى توفير الكهرباء منذ 14 عاما بخلاف السلطات في الإقليم رغم محدودية مواردهم. واشار الى ان هذا ما سيجعل المواطن الكردي البسيط يصوت بنعم للانفصال وليس مجرد رغبة سياسية عابرة لهذا الطرف او ذاك.

ظرف دقيق
واضاف الكاتب العراقي في حديثه لـ «المغرب» :«رغم إن بعض الأطراف الكردية تسعى وتدفع بإتجاه الإنفصال، لكني أعتقد إن الظرف ليس مناسبا لهذه الخطوة ،حيث هناك الكثير من العوائق السياسية التي تحول دون تنفيذها ومن أهمها إعتراضات الدول المؤثرة في المنطقة مثل تركيا وإيران اللتين يعيش على أراضيهما اضعاف عدد الأكراد في كردستان العراق ما يهدد وحدة أراضيها وإستقرارها.»

واضاف محدثنا :»ان التقسيم فكرة موجودة في أذهان بعض الباحثين عن السلطة من الطبقة السياسية التي ظهرت الى السطح بعد الإحتلال، لا اقصد بذلك الأحزاب الكردية وحدها، بل أغلب السياسيين العراقيين ممن يحاولون إقناع الشارع والأمريكان بفكرتهم، لأفتقارهم الى برامج تنموية يمكن أن تجمع العراقيين بإتجاهات أخرى غير التركيز على تقوية النزعات المذهبية والقومية» . وتابع بالقول :»أعتقد إن من حق شعب العراق بما في ذلك الأكراد على سياسييهم منحهم فرصة ووقت للسلام والإلتفات الى عوائلهم وبناء مستقبلهم بسلام،وان ما يحدد خياراتنا كعراقيين هو حسم خياراتنا بين أن نبني عراقا واحدا تحت سقف «عراقي» واحد عابر لهذه الولاءات، اوأن نستعد لاقامة ثلاث دويلات مجهرية لا وزن لها بين جيرانها الأقوياء تتقاذفها اراداتهم كيفما شاؤوا».

علاوة على الحروب التي قد تنشب بين هذه الدويلات الصغيرة وقد تمتد عشرات السنين وتستهلك ما تبقى من شبابهم ومن ثرواتهم بعد ما استهلكت حروب صدام الجزء الأكبر منها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115