والمعلوم ان مسلحي داعش يتخذون من المدنيين دروعا بشرية ويستهدفون كل من يحاول الفرار منهم، وتشير الارقام الى وجود ما يقارب الـ 600 مدني مازالوا تحت سيطرة التنظيم دون ماء أو غذاء أو دواء، وتحت القصف الجوي والمدفعي. ويدفع هؤلاء اثمانا باهظة جراء سيطرة مسلحي داعش على مدنهم ومنازلهم..
وكانت قيادة العمليات العراقية المختصة بمكافحة الارهاب قد اعلنت في بيان، استعادتها سوق الشعارين، ومنطقتي النبي جرجيس وعبد خوب، في المدينة القديمة.
وتتزامن المعركة الاهم ضد داعش في العراق ايضا مع تسجيل الجيش السوري وكذا قوات سوريا الديمقراطية -المكونة اساسا من مقاتلين اكراد وعرب-، انتصارات كبرى على بقايا التنظيم في سوريا.. وتمكنت امس قوات كردية من دخول الرقة – معقل تنظيم ما يسمى بـ«الدولة الاسلامية» للمرة الأولى من جهة الجنوب ...واستعادت نحو سبعين في المئة من «حي الصناعة «بعد دخولها المدينة بحسب ما افاد المرصد السوري امس. ويكتسب هذا الحي اهمية استراتيجية لكونه يضم التحصينات الاساسية للتكفيريين ..ووفق ما صرح به التحالف الدولي فان هناك ما يقرب الـ 2500 من مسلحي تنظيم داعش متواجدون في الرقة.
والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا ينتظر المنطقة بعد نهاية داعش الارهابي وهل القضاء عليه في معاقله في العراق وسوريا سينهي الارهاب المتفشي ؟ ...
هناك من يعتبر ان داعش سينتهي كأسم وتنظيم وماركة مسجلة ولكن ستنبثق عنه جماعات اخرى تأخذ نهج القتل والتدمير تحت مسميات جديدة ، فكما ورث داعش القاعدة وفكره ، فان مجموعات اخرى ستسير حذو التنظيم الارهابي خاصة اذا لم يتم اسئصال هذا الفكر الارهابي ..وتبقى المعركة الفكرية والثقافية هي الاصعب ..وتجدر الاشارة الى ان الارهاب تغذيه عديد العوامل ومنها الطائفية والمذهبية ..فاشتعال الحروب الطائفية في المنطقة اسهم بشكل كبير في تقوية شوكة الارهاب واستغل الارهابيون هذا الوتر المذهبي الشيعي – السني بشكل خاص ليتمددوا ويجندوا عناصر جديدة...صحيح ان افول نجم داعش سيوفر بيئة خصبة لإعادة اعمار الاوطان التي تدمرت بعيد هذا «الزلزال العربي» المتواصل منذ قرابة الـ ست سنوات ، الا ان هناك تحديات ومعارك اخرى يجب ان تخاض ليست اقل خطورة ..فهناك توجه محموم من بعض القوى الفاعلة لتقسيم المنطقة الى دويلات جديدة ..وكان تنظيم «داعش» نفسه احدى اخطر ورقات تنفيذ هذا المخطط الذي بدا جليا في سوريا والعراق حيث حاول التنظيم اقامة دويلة له – سنية – في مواجهة الكنتونات الشيعية والكردية والعلوية وغيرها ...واليوم هناك تساؤل حول مصير المناطق التي استرجعها الاكراد من داعش الارهابي وهل سيتم اعلانها ضمن اطار « دولة كردية»؟
ولعل السؤال الاهم هل ستسهم نهاية داعش في ايجاد حل سلمي للازمة السورية؟ ...الاكيد ان فشل مؤتمرات جنيف بنسخها الخمس لم تكن بسبب تفشي الارهاب وداعش وحده، بل بسبب تفاقم الصراعات بين النظام السوري ومعارضيه ..مما افسح المجال للتدخلات الخارجية وصولا الى تحويل سوريا الى ساحة للصراع التاريخي بين العملاقين الامريكي – الروسي ومن يدور في فلكهما من قوى اقليمية ...فالخلاف على شكل سوريا ومصيرها وتوجهاتها هو احد اهم ما يعيق انهاء الحرب المستعرة في بلاد الشام ، وكذلك فان ما يشهده الجوار العراقي من فتن طائفية واحترابات سياسوية وفساد اسهم بشكل لافت في اطالة امد المعركة ضد «داعش» الارهابي في الموصل بل افسح له المجال ليعلن منها اقامة خلافته المزعومة قبل ثلاث سنوات ......
اذن استصال داعش يبدأ في الرقة والموصل ونينوى وغيرها من المحافظات التي سيطر عليها التنظيم، لكنه لا يحسم ولا يلقى نجاعته الا في «معركة العقول» وخاصة «مناهضة الافكار» التي يحملها البعض والتي تكرس نظرتهم الى التاريخ القريب والبعيد وما يترتب عنها من قرارات ومواقف من شأنها أن تعيد بناء المنطقة او ترجعها عقودا الى الوراء ...