هل تقرع طبول السلام في «أستانة» ؟

عادت التحركات الدبلوماسية في الملف السوري إلى الواجهة من جديد، من خلال لقاءات عقدها مسؤولون أتراك مع ممثلين عن المعارضة السورية وضبّاط روس في العاصمة التركية أنقرة، وكان هدف هذه الاجتماعات نقاش مسار السلام والحل السياسي

للأزمة السورية، وذلك تجهيزاً للمفاوضات المزمع عقدها يوم الاثنين القادم في العاصمة الكازاخستانية آستانة.
وتستثمر روسيا الكثير من الجهود في إنجاح هذا المسار الجديد الذي يعزّز بدوره القراءة التي تؤمن بحتميّة تقديم تركيا للمزيد من التّنازلات مقابل إنجاح هذه المفاوضات، في هذا الإطار أصبحت موسكو هي الراعي الحقيقي لمفاوضات الحل السّياسي في سوريا في تراجع ملحوظ للدّور الأمريكي بمعنى إن موسكو تعمل مع كافة الأطراف سواء من داخل سوريا أو الأطراف الدولية والإقليمية، لإيجاد حلّ للمسألة السورية.
من خلال متابعتي لزاوية الحلول الحقيقية أَجد بأن جميع دول المنطقة أصبحت تبحث عن السلام والاستقرار والقبول بالحلول السياسية تجاه الأزمة، فمنذ الإعلان عن وجود حوار سوري - سوري في العاصمة الكازاخستانية برعاية روسية - تركية للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، ازدادت تباشير الحل السياسي لهذه الأزمة كون استمرار الحرب سيساهم في تدمير المنطقة بأكملها، فالمعطيات الميدانية، والتصريحات المتوازنة بين زعماء الغرب وحلفائهم، جميعها تصب وتتجه نحو الحلول السلمية بالطرق السياسية، التي تضمن مشاركة الجميع في بناء سوريا، وتدفع باتجاه المزيد من المصالحات بين جميع الأطراف المحلية في مناطق الإقتتال، كما يجري حالياً في منطقة بردى والقرى المحيطة من دمشق العاصمة.
وبشأن حظوظ النجاح في إطلاق هذا المسار الجديد للسلام بسوريا في ظلّ أجواء التصعيد السائدة، يخشى السوريون بعد هذه التطورات أن تحصل إنتكاسة لعملية وقف إطلاق النار في معظم المدن السورية، فمثل هذه الإنتكاسة ستكون لها تأثيرات كبيرة في الوضع كله، إذ إن الواقع يقول إن كافة الأطراف ستستخدم كل ما تملكه من إمكانات لتدمير الآخر، وسنجد أنفسنا أمام تطور خطير ينعكس سلباً على سوريا ، لكن الجانب الإيجابي الوحيد أن روسيا وتركيا يضعان مطرقتهما على رأس الجماعات المسلحة لوقف الحرب التي استنزفت مقدرات البلاد، فتركيا تمتلك القدرة على التأثير في العديد من الملفات، ولديها قدرة على التأثير على الكثير من الجماعات التي تقاتل الجيش السوري وحلفاءه، وإنطلاقاً من ذلك أصبحت دول المنطقة تدرك جيداً أن استمرار الحرب في سوريا سيؤدي إلى خلق بؤر صراع جديدة تؤثر في استقرار المنطقة والعالم،فهذه الدول لا تريد أن تبقى متفرجة حتى يتمكن تنظيم «داعش» وأخواته من السيطرة على أراضيها وتدمير مدنها، لذلك فإن على مختلف الدول إدراك أن هذه هي الفرصة الأخيرة لإعادة البلاد إلى سكة الأمن والإستقرار من جديد ونهاية الحرب والفوضى في المنطقة.
ويرى المراقبون للأحداث، أن اللقاءات الدولية والإقليمية حول سوريا تشير الى وجود خطة معينة سيتم من خلالها التعاون حل الازمة السورية، وبمشاركة جميع الأطراف كلاً حسب دوره، لذلك سنتوقع في الأسابيع المقبلة أن يكون هناك تحول كبير في الساحة السورية وتطورات كبيرة تعمل على إنهاء الأزمة السورية، كما أن هناك بعض الدول ستخسر رهانها بالحرب على سوريا. ويعود ذلك الى أن المعارضة المسلحة أبدت تراخي ومرونة بالقبول بالحلول السياسية، أما «داعش» والمجموعات المتطرفة الأخرى فالأحداث والوقائع الميدانية تشير الى ان دورها سينحسر ويتشتت، خاصة أن هناك أعداداً من الإرهابيين يبحثون عن طرق للهروب والعودة الى بلدانهم.
الكل يبذل الكثير من الجهود في المشاورات والمباحثات الإقليمية والدولية لإنجاح هذا المؤتمر المنتظر لتعزيز الحل السياسي في سوريا، فمؤتمر الأستانة قد يكون آخر فرصة لإنقاذ سوريا والمنطقة بأكملها من الفوضى والطائفية، ومنع التحاقها بـالسيناريو الصومالي، ومن أجل أن ينجح المؤتمر في تحقيق أهدافه يجب إشراك كافة الأطراف في فعالياته ومقرراته، وبالتالي إيصال سوريا الى بر الأمان، والحفاظ على وحدتها وأمنها وإستقرارها ، بمعنى أن نجاح خيار المصالحات السياسية، سيساهم في إنجاح الحل السياسي للأزمة السورية، خاصة أن روسيا وإمكاناتها الميدانية والسياسية، ستدفع بقوة باتجاه إنضاج الحل السياسي للأزمة السورية، فكل المعطيات تدفع باتجاه القول إن هناك إمكانية فعلية لنجاح الحلول السياسية مع صعوبة الحلول العسكرية.
مجملاً.... يعتبر مؤتمر الأستانة مفتاح حل الأزمة السورية وواحدا من أبرز المحاور السياسية المهمة، وبارقة أمل كبيرة في الخروج من النفق المظلم والتوصل إلى حل سياسي يعطي الثقة للشعب السوري في الخلاص من الواقع المظلم، وخطوة مهمة باتجاه فتح الطريق للحوار بين مختلف المكونات السورية، لذلك يُعتبر تاريخ 23 جانفي الجاري، تاريخاً مهما يحمل في طياته بدء مرحلة جديدة وحساسة لسوريا، خاصة بعد إنعطاف واستدارة تركيا نحو دمشق ، وشعورها بأن لهيب النار بدأ يحرق ثوبها من خلال اعتداءات تنظيم «داعش» الارهابي على المدن الحدودية التركية وحتى داخل عاصمتها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115