تصريحات ترامب في الحملة الانتخابية أعطت بسطة عن تشخيص المرشح المنتخب للأوضاع في المنطقة وقدمت بعض التوجهات التي تدل على تجديد في الإستراتيجية الأمريكية بعد ثماني سنوات من حكم باراك أوباما الذي تأرجح بين الواقعية السياسية وعدم التدخل العسكري لحل الأزمة في سوريا والعراق وليبيا و دعم التعاون الدولي في ملف الحرب على الإرهاب. يوم 20 جانفي 2017 يفتح البيت الأبيض صفحة جديدة في سياساته للمنطقة العربية.
أحد أهم التصريحات المثيرة لدونالد ترامب تعلق بموقفه من المسلمين والإسلام. فقد اعتبر أن «الإسلام يكره الولايات المتحدة» وأن «لا بد أن نحدد من أين تأتي هذه الكراهية ولماذا هي موجودة. إلى حد فهم هذه الظاهرة ومدى خطورتها ، لا يمكن لبلدنا أن يصبح ضحية العدوان الغاشم من قبل أناس لا يؤمنون إلا بالجهاد، ولا يحتكمون للعقل وليس لهم احترام للحياة البشرية.» واقترح في البداية منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة قبل أن يعدل رأيه و يقترح تكوين «لجنة الإسلام الراديكالي» في صلب وزارة الداخلية التي سوف تقيم قواعد جديدة تضيق الخناق على منح تأشيرات الدخول .
و بالرغم من الضجة الإعلامية التي ساهمت فيها وسائل الإعلام العربية والإسلامية فإن المرشح الجمهوري كان يحظى بمساندة عديد الفئات العربية و الإسلامية في الولايات المتحدة في مقدمتها المدونة شيرين قدسي و الناشطة الإسلامية صبا أحمد. من أهم التنظيمات الداعمة لترامب «تكتل المسلمين الجمهوريين» و «التحالف الأمريكي الشرق أوسطي لنصرة ترامب» برئاسة طوم حرب و الذي يضم لبنانيين و سوريين و مصريين وعراقيين وأشوريين ويزيديين وبربر وإيرانيين انخرطوا في حملة المرشح الفائز من أجل معاداة الإتفاق مع إيران و مقاومة داعش والمجموعات الإرهابية. والتحق تنظيم «مسلمون من أجل ترامب» لقافلة الدعم لحملة رجل الأعمال للفوز بالبيت البيض.
توافق مع الحزب الجمهوري
لن يتمكن دونالد ترامب لوحده من تنفيذ برامجه المعلنة دون الحصول على دعم الحزب الجمهوري الذي يسيطر على الكونغرس بغرفتيه والذي يتحكم في الأغلبية النيابية التي لا تنتمي الى أفكار الرئيس الجديد. تعيين راينس بريبوس ، رئيس الحزب، في خطة أمين عام البيت الأبيض هو خطوة نحو التوصل إلى تفاهم في السياسات الأساسية مع المؤسسة الأمريكية. وتتعلق بالأساس بالسياسة الإقتصادية الليبرالية و السياسة الضريبية والموقف من الهجرة ومن قانون أوباما للحيطة الاجتماعية.
أما ملف العلاقات الدولية فسوف يحافظ على ثوابت السياسة الأمريكية في العالم و بالتحديد على مصالحها في المنطقة العربية التي هي محل نزاع دولي مع إدخال تعديلات في العلاقة مع روسيا و الصين و الإتحاد الأوروبي. مما سوف يؤثر مباشرة على الأوضاع في العالم العربي. في الملف العربي سوف يكون المستشار وليد فارس «من أصل لبناني ماروني»، فاعلا في صياغة التغيرات في المنطقة. وهو محام وأستاذ علوم سياسية محنك اشتغل مستشارا للكونغرس وللمرشح الأمريكي ميت رومني ولوزارة الدفاع ولمجلس الأمن القومي. ويعتبره الخبراء أحد من تنبأ في كتابه «الثورة القادمة»(2010) بالربيع العربي.
الموقف من»داعش»
أهم ملف تفتحه الإدارة الأمريكية الجديدة هو القضاء على تنظيم داعش. هذا ما أكده، بعد تصريحات الرئيس المنتخب، الأمين العام الجديد للبيت الأبيض، راينس بريبوس.وقد استعمل المسؤول الجديد عبارة «تدمير الإرهاب الراديكالي الإسلامي» بما من شأنه أن يشير إلى رقعة تدخل واسعة يمكن أن تطال تنظيمات أخرى مثل جبهة النصرة و التنظيمات السياسية المصنفة «معتدلة» من قبل إدارة باراك أوباما. الأمر الواضح أن عقيدة الكونغرس الأخير اعتمدت توجها جديدا اعتبر «تنظيم الإخوان المسلمين كحركة إرهابية». وإن لم تنته مناقشة القانون في الكونغرس فمواصلة إعداده لا تزال واردة و تبقى رهينة تركيبة الإدارة الأمريكية النهائية. وهو، إن حصل فعلا، فسوف يهز السياسات والتحالفات القائمة في تونس و المغرب حيث يشارك الإخوان في الحكم والجزائر التي اتخذت منهج المصالحة الوطنية مع الإسلاميين.
حرص دونالد ترامب على تدمير تنظيم داعش يمر، حسب تصريحاته، بتطبيع العلاقات مع روسيا للتوصل إلى حل يعيد صياغة التوازنات في المنطقة. بالنسبة لترامب «في بداية 2009 كانت ليبيا مستقرة، وكانت سوريا تحت السيطرة، و كانت مصر، تحت قيادة رئيس جليل، بلدا حليفا للولايات المتحدة». وأضاف في تصريح ثان «الدولة الإسلامية هي نتاج مباشر للقرارات السياسية المباشرة التي اتخذها الرئيس أوباما ووزيرته للخارجية هيلاري كلينتن». وإن كان تكون داعش سابقا لسنة 2009 فإن هذا التصريح يدل على مدى حرص ترامب على تغيير هذه السياسة وتوخي نهجا مخالفا تشارك فيه روسيا والدول العربية المتضررة من الإرهاب.
الملف السوري
بالنسبة لترامب «داعش تكره الأسد، و الأسد يكره داعش. هل لا بد لنا أن نقاتل الاثنين؟ داعش هي خطر أكثر حجما من الأسد.» وقد رحب الأسد بانتخاب ترامب خاصة و أنه وعد بالتطبيع مع حليفه الروسي. وهو ما يغير جذريا من الموقف الأمريكي الداعم «للثوار» الذين هم ، في الواقع، تنظيمات النصرة في حلتها الشامية الجديدة و تنظيم داعش في حلب والتنظيمات الإسلامية التابعة للملكة العربية السعودية.
في حربه القادمة على «داعش»، يريد ترامب التنسيق «مع روسيا التي، مثل إيران و الأسد، تقاوم تنظيم داعش الارهابي». لكن كيف يمكن للإدارة الأمريكية أن تتفق مع روسيا دون أن تبسط جسورا مع إيران أحد الفاعلين الأساسيين في الحرب ضد داعش؟ هذا ما ستسفر عنه المحادثات التي يقوم بها حاليا المستشار وليد فارس مع دول المنطقة المشاركة في الحرب على الإرهاب، قبل أن يدخل الرئيس الجديد البيت الأبيض.
و اقترح ترامب «تنظيم مؤتمر دولي بمشاركة إسرائيل و العاهل الأردني عبد الله والرئيس السيسي» والحلفاء الطبيعيين للحزب الجمهوري قبل أن ترفض إسرائيل هذا المقترح. ما سوف يحدد مصير الرئيس السوري بعد انتهاء الحرب هو ،بدون شك، الدورالروسي والإيراني في موضوع إعادة تشكيل التوازنات في المنطقة بين الولايات المتحدة و روسيا مع غياب أوروبا السياسي والعسكري في الصراع الدائر.
الملف العراقي
جاءت مقترحات ترامب في خصوص الأزمة في العراق بالتزامن مع اندلاع الحملة على الموصل التي تشارك فيها الوحدات الخاصة الأمريكية لدعم الأكراد لوجستيا. وركز الرئيس المنتخب اهتمامه بمصير مسيحيي الشرق بعد المأساة التي عاشها اليزيديون في العراق. لكن لم يطنب ترامب في الموضوع و لم يحدد الإجراءات التي سوف تتخذها إداراته في الموضوع. من الممكن أن يترجم التنسيق مع الجانب الروسي على أرض الواقع وأن تأخذ الحرب على داعش مسارا أكثر جدية من الجانب الأمريكي.
أما مصير العراق فقد أشار إليه وليد فارس الذي اعتبر أن سياسة الحزب الجمهوري تؤمن باللامركزية السياسية وهي تدعم فكرة النظام الكنفدرالي الذي يعطي استقلالا ذاتيا للفصائل المختلفة في العراق. من الناحية النظرية يمكن أن يكون ذلك إطارا لحل المسألة السنية في العراق. ولن يتحقق ذلك دون تنازلات قد يقدمها الجانب الأمريكي لإيران في خصوص الملف النووي.
الحليف المصري
كان للرئيس عبد الفتاح السيسي لقاء مع دونالد ترامب يم 9 سبتمبر على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة . وإن لم يصدر أي تعليق رسمي في محتوى المحادثات فإن ترامب صرح للإعلام الأمريكي أنه مستاء لما حصل في مصر من «استقرار المجموعات الإرهابية في سيناء، قريبا من قناة السويس». وكما أشرنا نوه بالرئيس السابق حسني مبارك واعتبر مصر حليفا للدولة الأمريكية في المنطقة.
تفاهم الرجلين في نيويورك يساعد على ترتيب البيت العربي بعد أن أصلح السيسي علاقاته مع روسيا و بعد الجفاء الحاصل في العلاقات المصرية السعودية و القرار السعودي بالكف عن تزويد مصر بالنفط للشهر الثاني على التوالي. عام 2017 سوف يشهد رجوع مصر للتأثير في مجريات الأحداث في منطقتها كما كانت عليه من قبل بالرغم من الأزمة الاقتصادية التي تهددها و حجم الدين العمومي.
نزع سلاح حزب الله
أكد مستشار دونالد ترامب وليد فارس للجريدة اللبنانية « لوريون لوجور» أن ترامب يساند تطبيق قرار مجلس الأمن عدد 1559 القاضي بنزع سلاح الفصائل اللبنانية وفي مقدمتها حزب الله . وهو ينوي العمل من أجل نظام جديد للبنان يطوي صفحة اتفاق الطائف الذي فرضته السعودية على الفصائل اللبنانية لإنهاء الحرب الأهلية. ويعتقد الرئيس المنتخب أن الحل يكمن في الحوار بين كل الأطراف اللبنانية وفي قدرة الشركاء السياسيين على نزع سلاح المليشيات و تحويلها إلى أحزاب سياسية.
من ناحية أخرى ينوي ترامب، في مقابل ذلك، تقديم دعم مالي واقتصادي للبنان ليتخطى الصعوبات التي تحد من نموه الإقتصادي. ولن يتحقق النمو بالنسبة له إلا في مناخ أمني سلمي تحت رعاية الجيش اللبناني المخول الوحيد لحمل السلاح.
ماذا في حل الدولتين؟
في الملف الفلسطيني تواترت التصريحات من قبل ترامب والمسؤولين الإسرائيليين في خصوص العلاقة مع إسرائيل. وقد تراوحت تصريحات ترامب بين إعلانه «إن القضية ليست معقدة، يمكنني حلها في أقل من أسبوعين» إلى الإعلان عن مساندته اللامشروطة للكيان الصهيوني. وأعلن نيته نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. و يعتبر ترامب أن حركة حماس هي من بين الحركات الداعمة للإرهاب.
من ناحية أخرى، تشكيل فريق العمل في الإدارة الأمريكية سوف يكون محددا في نوعية السند للحكومة الإسرائيلية. لكن التقاليد الأمريكية تقضي، مهما كان الرئيس، أن تقف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل في المنطقة. تصريحات ترامب ونتانياهو اثر الانتخابات أدت بوزيرة التربية الإسرائيلية نفتالي بينت للقول إن «انتخاب ترامب يعني أنه لا مجال لدولة فلسطينية».
الصراع في ليبيا
الصراع الدائر في ليبيا بين الفصائل الإسلامية و جيش الجنرال حفتر و تنظيم داعش والميليشيات التابعة للقبائل كان محل اهتمام دونالد ترامب الذي أشار إلى أن «ليبيا في حالة خراب» وأن الوضع فيها أدى إلى مقتل السفير الأمريكي و ثلاثة من «أبطال» أمريكا. لكنه لم يعبر إلا عن استيائه للوضع. الحرب على داعش التي هي في نهاياتها اليوم يمكن أن تنتهي مع دخول ترامب البيت الأبيض. يبقى أن يأخذ موقفا واضحا مما تبقى من فصائل مقاتلة مدعومة من القبائل و من بعض الدول العربية.
هذا الملف سوف تكون مصر فاعلة في شأنه خاصة أنها تدعم الجنرال حفتر و ترفض دخول حركة الإخوان المسلمين، التي تسيطر على العاصمة طرابلس . الموقف الأمريكي عندما يتحدد سوف يكون له تأثير لما للوضع من تعقيد و إشكال يجمع بين الطموحات الداخلية للفصائل المختلفة و التدخلات الأجنبية بما في ذلك بعض الدول الأوروبية.
السعودية و دعم تنظيم «داعش» الارهابي
قبل أن ينجح ترامب في سباق الرئاسة صادق الكونغرس بأغلبية ساحقة، أي بموافقة جزء كبير من النواب الديمقراطيين، على قانون يسمح لضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 بمقاضاة الدولة السعودية. وهو ما أوشك أن يدخل العلاقات بين البلدين في أزمة حادة لولا قبول رئيسي الغرفتين بإعادة صياغة النص لتجنب التراجع في التقاليد الدولية التي تمنح الدول مناعة ضد الأشخاص. هذا القانون ضاعف من الهوة بين البلدين الحليفين بعد الموافقة على حل الملف النووي الإيراني. وهو ما لم تقبله المملكة العربية السعودية.
تصريحات ترامب لم تزغ عن هذا المنهج. فلقد قال لراديو أمريكي «أنظر، نحن نحمي العربية السعودية. نحميهم مقابل لا شيء. بدون حمايتنا لن يمكن لهم البقاء أكثر من أسبوع.» وأضاف ناعتا المملكة «نحن نغطي على أناس من المفروض أن يساندونا. بعض من يعتبرون أنفسهم حلفاءنا الذين نساندهم عسكريا يمنحون أموالا هائلة لمجموعات إرهابية مثل داعش والقاعدة». وهو إدانة واضحة للسياسة السعودية في المنطقة.
من ناحية أخرى رجل الأعمال ترامب له علاقات اقتصادية مع بعض الأثرياء في المنطقة وله مبان في الكويت والإمارات والمملكة العربية السعودية. وله علاقات استثمارية مع مجموعات خليجية لم تنقطع. فهل يعني التصريح الانتخابي أن رجل الأعمال سوف يغير من موقفه عندما يصبح رئيسا؟
كل هذه الملفات العربية التي تحدث فيها دونالد ترامب تبقى مطروحة ما لم تتضح فحوى التوافقات على المستوى الإقليمي والدولي بين القوتين العظمتين. مصير المنطقة التي تعاني من هزات ما بعد الربيع العربي سوف تحسم حسب ما يتقرر من خلال التوازنات بين الولايات المتحدة وروسيا والإتحاد الأوروبي المشارك في الحلف الأطلسي و قدرة دول المنطقة على بلورة سياسات وطنية تحميها من التدخلات الأجنبية.