والتخطيط والتنمية، منذ مدة ومن المنتظر أن يتواصل النقاش كذلك على امتداد الفترة القادمة، في مشروع قانون عدد 64 لسنة 2015 يتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي، حيث عقدت اللجنة جملة من جلسات الاستماع شملت كلا من سليم شاكر وزير المالية والشاذلي العياري محافظ البنك المركزي.
مشروع القانون المعروض يعتبر من أهم المشاريع ذات الصبغة المالية المعروضة على أنظار المجلس على غرار مجلة الاستثمار التي تناقشها اللجنة بالتزامن مع مشروع قانون البنك المركزي. اللجنة تبنت عديد المقترحات التي تراها مناسبة لتطوير عمل البنك المركزي والذي ستكون له انعكاسات ايجابية على الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد التونسية. ومن أهم المقترحات التي سيتم تنزيلها في مشروع القانون، والتي من الممكن اختزالها في النقاط الأساسية وهي تعصير البنك المركزي، والاستقلالية من حيث الصلاحيات بهدف تكييف البنك كمؤسسة وطنية عمومية ضمن الفصلين 78 و91 من الدستور والمرتبطين بصفة مباشرة بنص مشروع هذا القانون من حيث تعيين محافظ البنك المركزي وعلاقة البنك مع الحكومة.
لكن في المقابل، فإن لجنة المالية تبدو أمام معادلة صعبة بين الاستقلالية، وكيفية التعامل والتكامل مع الحكومة، وهو ما جعل أعضاء اللجنة متخوفين من تسييس السياسة الاقتصادية في غياب نموذج اقتصادي واضح. واعتبر أعضاء اللجنة أن مسألة الاستقلالية غير دستورية نظرا لعدم إدراجها ضمن الهيئات المستقلة بالدستور، باعتبار أن البنك المركزي خاضع لتبعية عضوية حيث ان المحافظ يتم اقتراحه من رئيس الحكومة ويعينه رئيس الجمهورية بعد مصادقة مجلس نواب الشعب حسب الفصل 78 من الدستور.
فك الارتباط العضوي بين البنك المركزي والحكومة
من جهة أخرى، ترى اللجنة أن وضعية البنك الحالية بما أن سياسته النقدية والمالية هي جزء من السياسة العامة للدولة التي يضبطها مع رئيس الحكومة، ومدى قدرتها على التأقلم مع الوضعية الجديدة من خلال مشروع القانون الذي يعطيه ميزة كمؤسسة سيادية وليس في شكل هيئة. ويرى عدد من النواب أن مسألة الاستقلالية تعتبر عرفا تونسيا منذ القانون التأسيسي للبنك المركزي لسنة 1959، لكن مع ذلك يجب العمل من خلال الجلسات القادمة على توضيح معنى الاستقلالية ومفهومها وما إذا كانت ناجمة عن ضغوطات من الحكومات المتتالية أو تأتي في إطار مواكبة المنظومة الاقتصادية والنقدية العالمية.
لكن لجنة المالية في مجملها متفقة على أن مبدأ الاستقلالية هي مسألة جوهرية في مشروع هذا القانون، أما عن التكييف القانوني للبنك المركزي، فقد عبر بعض النواب عن رفضهم لتوصيف البنك المركزي كمؤسسة وطنية حيث فسر رأي أول أن هذا التوصيف سيستمر في التعتيم على عمل البنك المركزي الذي بقي حلقة مغلقة يصعب النفاذ إليها منذ 2011، فيما اعتبر البعض أن هذا التكييف الوارد بنص المشروع يستوجب إحداث صنف رابع من المؤسسات العمومية وبالتالي تنقيح القانون عدد 9 لسنة 1989 المتعلق بالمساهمات والمنشآت والمؤسسات العمومية.
وفي إطار مناقشة مشروع القانون المذكور، تطرقت اللجنة إلى سياسة الصرف في تونس من خلال الاعتماد على التجارب المقارنة، حيث تم التأكيد على أن سياسة الصرف من اختصاص الحكومة، فيما اقترح أحد النواب إحداث هيكل مستقل لمراقبة مدى السلامة القانونية للمناشير الصادرة عن البنك المركزي.
مشروع القانون سيرفع من الترقيم السيادي لتونس
في المقابل، أكد محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري أنه لم يتعرض طيلة فترة عمله، إلى ضغوطات من الحكومات السابقة وأن التنصيص على الاستقلالية يأتي في إطار مواصلة نفس التمشي الحالي. وأضاف أنه من غير الممكن إدراج منظمات مهنية دون غيرها في عضوية مجلس الإدارة. وأوضح العياري أن سياسة الصرف تبقى من مشمولات وزارة المالية.
في حين أكد وزير المالية سليم شاكر أنه كان من المنتظر التطرق لمسألة محاسبة محافظ البنك المركزي والدور الرقابي للمؤسسة البرلمانية، معتبرا أن المساءلة لا بد أن تكون مبنية على معطيات وأرقام مما يستوجب النظر في مدى استقلالية المعهد الوطني للإحصاء ضمانا لصحة المعلومات والأرقام المقدمة من قبله. هذا وأكد في الأخير أن مشروع هذا القانون سيعطي صورة إيجابية لتونس وسيرفّع من ترقيمها السيادي وسيبعث برسائل إيجابية للمستثمرين الأجانب والمنظمات الدولية والنقدية المتعاملة مع تونس، معتبرا أن هذا المشروع سيخلق بنكا مركزيا ينتمي إلى جيل جديد يستجيب للمعايير الدولية.
من جهة أخرى، يبدو أن هذه الاستقلالية لن تكون بعيدة عن الرقابة والشفافية، حيث اعتبر محافظ البنك المركزي وأعضاء اللجنة أن الاستقلالية لا تعني غياب الرقابة، حيث أنه ابتداء من الفصول 46 من القانون تم توضيح مفهوم الرقابة الداخلية، وذلك من خلال إدراج فصل جديد ضمن مشروع القانون كحق مجلس نواب الشعب في الاستماع بطريقة دورية إلى محافظ البنك المركزي في كافة القضايا التي تهم نشاط المؤسسة. وتعتبر الاستقلالية الممنوحة للبنك ذات صفتين الأولى صفة وظيفية في علاقتها مع الحكومة، أما الثانية فهي صفة مؤسساتية في علاقتها بمجلس نواب الشعب كما أن الاستقلالية لا تعني ارتقاء المؤسسة إلى رتبة منافس للحكومة بل سيكون لها دور تعديلي، ويتحرر بذلك من تركة الماضي ويستجيب إلى متطلبات الزمن الحديث وأسس الصرف المتعارف عليها اليوم في البنوك المركزية.
هذا ومن المنتظر أن تدرج لجنة المالية كافة المقترحات في مشروع القانون للمصادقة عليه في أقرب الآجال وإحالته على الجلسة العامة باعتبار أن هذا القانون يحظى بطلب استعجال النظر.