فرصة لاستعراض أهم التحديات التي تعيق البرلمان اليوم من أجل تطبيق كافة بنود الدستور خاصة في ما يتعلق باستكمال تركيز الهيئات الدستورية وأهمها المحكمة الدستورية.
بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخامسة للمصادقة على الدستور عقد مجلس نواب الشعب يوم أمس جلسة عامة ممتازة في الغرض، بحضور النواب المؤسسين ورئيس المجلس الوطني التأسيسي. وافتتح رئيس المجلس محمد الناصر الجلسة بكلمة أكد خلالها على أهمية أشغال المُؤسّسين خاصة مع عملهم على تجاوز الاختلافات، لصياغة وثيقة توافقيّة تجاوبت مع مُخرجات الحوار الوطني، وتفاعلات الحراك المدني والديمقراطي، وهاجس وحدة الصف الوطني. واعتبر الناصر أن الدستور أقر نظاما ديمقراطيا حقيقيا، مبنيا على التوافقات وتجاوز الإنفراد أو التغوّل أو الإقصاء أو التهميش. وتحدث الناصر أيضا عن سياسة التوافق في صياغة الدستور، حيث قال إن الحرص على توفير شروط التوافق الوطني له أيضا سلبيات في مستوى الأداء، لكنّه يبقى ضروريا لتجاوز مخاطر تعميق الصّراعات والانشقاقات في الصفّ الوطني.
وفي الجزء الثاني من كلمته تطرق الناصر إلى دور مجلس نواب الشعب حاليا في ما يتعلق بتجسيد ما جاء في الدستور، وتحقيق ما تضمنّته كلّ فصوله وأبوابه من قيم ومبادئ ومهام، من أجل تفعيل آليات الانتقال الديمقراطي عبر استكمال تشييد مؤسسات الدولة وتفعيل مبادئ الدستور في الواقع الوطني بكلّ تحدّياته. واستعرض رئيس المجلس أعمال البرلمان منذ سنة 2015، بعد وضع إستراتيجية تربط بين ثلاث مهام على حد تعبيره أولها بناء المؤسسة البرلمانية وتعصيرها وتطوير أساليب عملها، مع تكريس شفافيتها وانفتاحها، أما الثانية فتتمثل في العمل التشريعي والرقابي والتمثيلي والانتخابي، وأخيرا استكمال إرساء مؤسسات الدولة وهيئاتها الدستورية والمستقلة.
تحديات تجسيد الدستور
من جهة أخرى، فإن التحدي الأكبر بالنسبة للمؤسسين النواب يتمثل في تفعيل كل فصول الدستور، حيث قال رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر أن الدستور تمت صياغته بعد جهد على مستوى أشغال الجلسات العامة أو في مكتب المجلس أو في لجنة التوافقات، حيث شاركت فيه جميع الأطياف. كما أضاف أنه بالرغم من توفّق مجلس نواب الشعب في المصادقة على عدد من القوانين الهامة على غرار قانون المجلس الأعلى للقضاء وقانون القضاء على العنف ضد المرأة إلا أنه لم يتمكن من تركيز المحكمة الدستورية الأمر الذي يبعث على الحيرة ونفس الشيء بالنسبة لموضوع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وعبر بن جعفر عن خوفه من تغيير القانون الانتخابي الذي قد يؤدي لإقصاء عديد الأحزاب على حد تعبيره، منتقدا في ذلك دعوات لتنقيح الدستور، مع إبداء احترازه على إطلاق إسم مجلة الجماعات المحلية، باعتبار أن الدستور نص على سلطة محلية.
وتحدث البعض الآخر من النواب المؤسسين عن أهم مزايا دستور 2014، منها الانفتاح على المجتمع المدني وعلى كل أطياف المجتمع في صياغة الدستور حسب ما أكده المقرر العام للدستور والنائب عن كتلة حركة النهضة الحبيب خضر. وبين أن الدستور جاء بعد عقد حوار وطني في مختلف الجهات حيث انتظم 26 اجتماعا و18 آخر في الخارج، معتبرا أن الدعوات المطالبة بتنقيح الدستور لا تزال مسألة سابقة لآوانها. في حين قال رئيس لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما بالمجلس الوطني التأسيسي عمر الشتوي أن دستور 2014 اختار النظام السياسي المختلط الذي يمكن رأسي السلطة من الاشتراك في 7 مجالات وذلك خوفا من عودة الاستبداد والمجازفة بتجميع السلط في يد شخص واحد سواء رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية.
ضرورة تركيز المحكمة الدستورية
أغلب المداخلات تطرقت بالأساس إلى التعطيلات التي تشهدها عملية تركيز المحكمة الدستورية في علاقة بالمسار الانتخابي. تحديات تنزيل الدستور على أرض الواقع وسد الثغرات التي تحدث عنها محمد الفاضل موسى رئيس لجنة القضاء العدلي والإداري والمالي بالمجلس التأسيسي، لا تكون إلا من خلال رقابة قضاء مستقل على رأسها المحكمة الدستورية، معتبرا أنه لا يمكن اعتبار الأزمة السياسية الحالية نتيجة ما جاء به الدستور. واعتبر أن الحل يكمن بالأساس في تعديل القانون الانتخابي ثم تركيز المحكمة الدستورية.
جميع النواب المؤسسين عبروا عن رفضهم التام لتعديل الدستور، حيث تم التأكيد على أنّ العائق لا يكمن في الدستور للإدعاء بأنّه سبب الأزمات التي تمرّ بها البلاد وإنما في الطبقة السياسيّة وقيادات الأحزاب، حسب أغلب المداخلات من قبل النواب المؤسسين. ومن جهته، قال المنجي الرحوي النائب المؤسس والنائب الحالي عن الجبهة الشعبية أن الدستور حمل عديد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تعبر عن الطابع الاجتماعي، خاصة الفصل 40 الذي يكرس حق العمل لكن يجب العمل مستقبلا على تنقيح مجلة الشغل، بما يضمن الشفافية والنزاهة ويضرب منطق المحسوبية ويكرس دولة الحق والعدل.
واختتمت الجلسة العامة أشغالها من خلال مداخلة للباحث الجامعي حسين فنطر الذي تطرق إلى مختلف الدساتير التي مرت بها تونس وصولا إلى الدستور الحالي مع بعض المقارنات بالنسبة للدساتير الأجنبية وما يتطلبه من مزيد التفعيل على مستوى بعض الفصول والتنزيل على أرض الواقع وأهمها المحكمة الدستورية. وتجدر الإشارة إلى أنه تم استعراض عديد الوثائق في بهو المجلس بالتزامن مع أشغال الجلسة العامة حيث تم تركيز معرض وثائقي عن تاريخ تونس في مختلف مراحله.