مجلس نواب الشعب إذ تقرر تأجيل الجلسة العامة المخصصة لمناقشة أبواب الميزانية لسنة 2019 بحضور رئيس الحكومة يوسف الشاهد بطلب منه. وناقشت الجلسة العامة المخصصة للمصادقة على مشروع قانون المالية التكميلي وقانون ثان يتعلق بشركة التنقيب عن المياه، الاضراب العام في علاقته بالوضع الاقتصادي والاجتماعي.
عقد مجلس نواب الشعب يوم أمس جلسة عامة خصصت للمصادقة على كل من مشروع قانون يتعلق بإحداث الشركة الوطنية للتنقيب عن المياه، وأيضا مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2018. بداية الجلسة شهدت جملة من نقاط النظام بخصوص مقترح إدراج نقطة إضافية في جدول الأعمال تتعلق بالتداول حول الوضع الاجتماعي بالبلاد في علاقة بالإضراب العام في الوظيفة العمومية المقرّر اليوم.
تمسك الاتحاد العام التونسي للشغل بالإضراب العام، أجبر رئاسة مجلس نواب الشعب على تأجيل المصادقة على مشروعي القانونين المذكورين، من أجل النقاش حول تداعيات الإضراب العام ومحاولة إيجاد مقترحات قد تجنب البلاد أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية. وفي هذا الإطار، دعا رئيس المجلس محمد الناصر رؤساء الكتل إلى تغيير جدول الأعمال والتصويت على ذلك. وقال محمد الناصر أن هنالك إجماعا على الدور الهام الذي يلعبه الإتحاد في بناء تونس الجديدة، موضحا وجود طلب ملحّ في اجتناب التصعيد وبكل ما من شأنه أن يمسّ من مستقبل البلاد ومن استقرارها، موصيا بضرورة مواصلة الحوار وإيجاد الحلول المطلوبة.
تحميل للمسؤوليات
ومثلما حصل في الجلسة الفارطة المخصصة للحوار مع وزيري الداخلية والعدل حول ملف الاغتيالات السياسية، فقد تحولت الجلسة من الحوار حول الوضع الاجتماعي إلى تبادل للتهم وتحميل المسؤوليات بين مختلف الكتل البرلمانية، وعاش البرلمان حالة من الانقسام بين مساندة الحكومة ورفضها. نواب الشعب أبدوا تفهمهم خلال النقاش العام لمطالب الشغالين لكن المواقف اختلفت من كتلة إلى أخرى حول الأساليب المتاحة من أجل المطالبة بالزيادة في الأجور، حيث قال النائب عن كتلة حركة النهضة فتحي العيادي أن الوضع الاجتماعي لا يزال ضمن الأولويات خاصة في علاقة بالمقدرة الشرائية، مشددا على ضرورة عقد حوار وطني اجتماعي، مطالبا النخبة السياسية بالبحث عن حلول لتحسين المقدرة الشرائية للمواطن مع مراعاة المصلحة الوطنية للبلاد. بالرغم من الخلافات وتحميل المسؤوليات، إلا أن الوضع كما اعتبره البعض «لا يطاق»، في ظل تدهور المقدرة الشرائية وارتفاع الاسعار، الأمر الذي يستوجب وضع موازنة حقيقية بين مطالب الشعب من جهة، والتزامات الحكومة من جهة أخرى.
الحوار ضرورة قصوى
من جهة أخرى، ساند مختلف النواب دور الاتحاد العام التونسي للشغل لما اعتبروه شريكا فاعلا، إلا أن نواب الشعب أبرزوا تخوفاتهم من تحويل الإضراب إلى معركة سياسية وتوظيفه من أجل تشويه الإضراب أو طرف على حساب آخر. وحذرت النائبة عن كتلة الائتلاف الوطني هالة عمران من إمكانية تسييس الإضراب العام والاندساس فيه للتشويش عليه، معتبرة أن الحكومة يجب عليها أن تعمل على تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي. واعتبرت في مداخلتها أن الحلول تكمن في الحوار، من خلال دعوة جميع الأطراف السياسية والمنظمات الوطنية والحكومة للجلوس إلى طاولة الحوار، حيث أن الإصلاحات لا توجد دون أن يلعب الإتحاد العام التونسي للشغل دورا فيها. في المقابل، انتقدت المعارضة سياسة الحكومة الاقتصادية وإثقال كاهل الطبقة الشغيلة حسب ما صرح به النائب عن الجبهة الشعبية الجيلاني الهمامي، الذي اعتبر أن الإضراب العام يؤشّر إلى وجود أزمة حادة في البلاد، نتيجة سببين اثنين أولهما تدهور المقدرة الشرائية وثانيهما رفض الزيادة في أجور الموظفين بسبب قرارات أجنبية، موضحا أن الخطاب الذي يشوه الاتحاد العام التونسي للشغل من شأنه أن يعمق الأزمة. كما أعلن النائب عن الكتلة الديمقراطية زهير المغزاوي مساندته للإضراب العام، لما اعتبره أن رئيس الحكومة ينفّذ أوامر صندوق النقد الدولي.
«نتفهم المطالب ولكن...»
تدخلات النواب لم تأت بأية حلول تذكر وإنما اقتصرت على تحليل الأزمة والوضع الحالي، مع وجود شبه إجماع على ضرورة عقد حوار شامل بين مختلف المنظمات والطبقة السياسية والحكومة. وفي هذا الإطار، عبر النائب عن الكتلة الحرة لمشروع تونس صلاح البرقاوي عن أسفه للإضراب العام بالرغم من المطالب مشروعة، باعتبار أن الإضراب يمثل عنوان فشل للحوار في وقت أن البلاد في حاجة إلى كل ساعة عمل. وأضاف أنه يجب تفهم تعهدات الحكومة تجاه صندوق النقد الدولي، لكن لابد من الموازنة بين هذه التعهدات وبين مطالب الشعب التونسي مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحلول الفردية لن تكون ناجعة ومن شأنها أيضا أن تعمّق التجاذبات السياسية. في حين دافعت النائبة عن كتلة حركة نداء تونس أنس الحطاب عن المنظمة الشغيلة، إذ اعتبرت أن القائمين على التحاور والتشاور مع المنظمات الوطنية فاشلون، مشيرة إلى أن قرار إضراب عام للوظيفة العمومية لم يكن سهلا.
مناقشة مشروع الشركة الوطنية للتنقيب عن المياه
ومع نهاية النقاش العام، عادت الجلسة العامة إلى جدول الأعمال، حيث ناقش النواب مشروع قانون يتعلق بإحداث الشركة الوطنية للتنقيب عن المياه، مشروع يهدف إلى تغيير الطبيعة القانونية لوكالة التنقيب عن المياه من مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية إلى مؤسسة عمومية لا تكتسي صبغة إدارية اعتبارا لكونها تنشط في مجال تنافسي وتفتقر إلى المرونة في التصرف والتسيير إضافة إلى كون الصيغة الإدارية للوكالة تحول دون إمكانية الاقتراض المباشر والمشاركة في انجاز الآبار العميقة الممولة من قبل الهيئات العالمية. وتجدر الإشارة إلى أن مشروع القانون المقترح ينص على أن الشركة هي منشأة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي وتقوم بانجاز أشغال التنقيب عن المياه وحفر الآبار العميقة.
النقاش العام بين نواب الشعب تطرق بالأساس إلى عمليات التنقيب عن المياه والإشكاليات الدستورية والقانونية المتعلقة به، حيث قال النائب عن كتلة الائتلاف الوطني سهيل العلويني أن الآراء مختلفة بين من يقول أن إحداث شركة وطنية للتنقيب عن المياه من صلاحيات الحكومة ومن يدعي أنه من صلاحيات مجلس النواب، مطالبا بضرورة حلّ إشكاليات المياه في أقرب وقت ممكن دون الخوض في التفاصيل القانونية. وتجدر الإشارة إلى الجلسة العامّة قد صوّتت بتاريخ 15 مارس 2017 على إرجاع مشروع القانون إلى لجنة الفلاحة والأمن الغذائي والتجارة والخدمات ذات الصّلة لمخالفته أحكام الفصل 65 من الدستور، إذ أنّ إحداث المؤسّسات يدخل في مجال السّلطة الترتيبيّة العامّة ولا يدخل ضمن مجالات تطبيق القانون المنصوص عليه بهذا الفصل. وقد تقدّمت جهة المبادرة مُمثّلة في وزارة الفلاحة والموارد المائيّة والصيد البحري بتعديل فصول مشروع هذا القانون لينصّ على إحداث «صنف» جديد من المؤسّسات، طبقا لمقتضيات الفصل 92 من الدّستور الّذي يمنح صلاحية إحداث المنشآت لرئيس الحكومة. وبعد المصادقة على فصول مشروع القانون مع بعض التعديلات، تمت المصادقة عليه برمته بـ99 نعم، 9 محتفظ، دون رفض.
مناقشة مشروع قانون المالية التكميلي
وفي الجزء الثاني من أشغال الجلسة العامة، تمت مناقشة مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2018، الذي يأتي بالاعتماد على النتائج المسجلة في موفى أوت 2018 وفرضيات تطور المؤشرات الاقتصادية والمالية. ويتركز مشروع قانون المالية التكميلي على تخصيص الموارد الإضافية التي تم تعبئتها على مستوى الموارد الذاتية للميزانية لتمويل الحاجيات الإضافية على مستوى نفقات دعم المحروقات والمقدرة بـ 1200 م.د، ونفقات دعم المواد الأساسية والبالغة 180 م.د وكذلك التحويلات الاجتماعية الإضافية مقارنة بالتقديرات، وذلك مع مواصلة التحكم في التوازنات المالية من خلال المحافظة على نفس مستوى عجز ميزانية الدولة المقدر أوليا أي 4.9 % من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 6.1 % مسجل في سنتي 2016 و2017.
النقاش العام بين نواب الشعب تطرق إلى ميزانية سنة 2018 وعلاقتها بمشروع القانون، حيث قال النائب عن كتلة حركة النهضة سامي الفطناسي ان قانون المالية التكميلي جاء في اجل لم يسبق له من قبل، حيث من المفروض ان يرد بعد قانون المالية للسنة الموالية، مشيرا الى ان الاضراب العام لن يساعد على تدارك التضخم خصوصا وان ارتفاع سعر برميل النفط يؤثر مباشرة على جل الاسعار المتبقية. في المقابل، قال وزير المالية رضا شلغوم أن 19 % ليست بالزيادة الضعيفة في الموارد الجبائية، مشيرا الى أن التخفيض في المديونية مرتبط بتخفيض عجز الميزانية بالاضافة إلى أن التحكم في عجز الميزان التجاري يؤثر مباشرة على سعر الدينار. وبعد المصادقة على الفصلين الوحيدين من مشروع القانون، تمت المصادقة على المشروع برمته بـ82 نعم 13 إحتفاظ و18 رفض.
مواصلة أشغال اللجان
من جهة أخرى، عقدت اللجنة الانتخابية الخاصة جلسة عمل من أجل مناقشة إعادة فتح باب الترشحات لصنف الاتصال الإعلام في هيئة مكافحة الفساد والحوكمة الرشيدة، وفتح باب الترشحات لعضوية هيئة حقوق الإنسان. و في ما يخصّ الآجال اعتبر أعضاء اللجنة أنّه وجب توسيع الآجال نظرا لضرورة إعلام العموم و وأيضا انشغال النواب بمناقشة مشروع قانون الماليّة، لتتم المصادقة على وضع آجال 15 يوما من تاريخ النشر بالرائد الرسمي.
وبالتزامن مع أشغال الجلسة العامة، واصلت اللجان البرلمانية بمجلس نواب الشعب مناقشة أبواب الميزانية من خلال عقد سلسلة من جلسات الاستماع إلى مختلف الوزراء، حيث عقدت لجنة الفلاحة والأمن الغذائي والتجارة والخدمات ذات الصلة جلسة استماع إلى وزير السياحة والصناعات التقليدية حول مشروع ميزانية الوزارة لسنة 2019. ثم وزيرة التكوين المهني والتشغيل حول مشروع ميزانية الوزارة، وأيضا وزير التربية حول ميزانية الوزارة. في حين استمعت لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح إلى وزير الشؤون المحلية والبيئة حول الباب الخامس لوزارة الشؤون المحلية والبيئة، حيث تم ضبط مشروع ميزانية الوزارة لسنة 2019 بـ 1006.308 م.د مقابل 887.308 م.د سنة 2018 أي بزيادة قدرها 118.902 م.د بما يمثل 13 %نسبة زيادة. وتتوزع إلى 560.3 م د نفقات تصرف و323 م د نفقات تنمية و123م د لصناديق الخزينة. وأكد وزير الشؤون المحلية والبيئة مختار الهمامي أن ارتفاع نفقات التنمية ناتج أساسا عن الترفيع في اعتمادات الدعم السنوي للبلديات ب 40 م.د والاستثمارات المقررة في قطاعي التطهير والتحكم في النفايات.