بالرغم من السلاسة التي شهدتها أعمال الجلسة العامة يوم أمس بمجلس نواب الشعب، من خلال المصادقة على مشروعي قانون، إلا أن المجلس فشل في التصويت على شد الشغور صلب هيئة الحقيقة والكرامة بالرغم من التوافق المزعوم صلب اللجنة الخاصة بفرز ملفات الترشح لسد الشغور في مجلس هيئة الحقيقة والكرامة. الجلسة العامة كان من المنتظر أن تصوت على كل من المرشحين سهيل بالطيب عن صنف القضاة الإداريين، شيماء عيسى بنهقي عن صنف المختصين في العلوم الشرعية، رامي الطرابلسي عن الاختصاصات ذات العلاقة بالعدالة الانتقالية.
انسحاب النواب يؤجل عملية التصويت
لكن في المقابل، فإن اعتماد مبدإ أغلبية الحاضرين في التصويت اي الثلثين على الأقل يعسّر المسألة نوعا ما حسب مقتضيات الفصل 23 من القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 مؤرخ في 24 ديسمبر 2013 يتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، حيث تسببت الأسماء المقترحة لسد الشغور صلب هيئة الحقيقة والكرامة في نشوب خلاف بين نواب الشعب من مختلف الكتل البرلمانية، وجدالا بين رؤساء الكتل بعد اعتبار البعض أن التوافق الحاصل انحصر بين كتلتي حركتي نداء تونس والنهضة، مما تسبب في عدم التصويت لفائدة منحهم الثقة وذلك بسبب مغادرة جميع الكتل قاعة الجلسات أثناء عملية التصويت ما عدى كتلتي النداء والنهضة.
انسحاب أغلب نواب الشعب من الجلسة تسبب في غياب النصاب القانوني من أجل عملية التصويت، حتى أن الأمر تصاعد بين النائبين عن الجبهة الشعبية المنجي الرحوي وسفيان طوبال عن نداء تونس من أجل تبادل التهم والشتائم الخارجة عن الموضوع. واعتبر الرحوي أن محضر جلسة لجنة الفرز مدلس وفيه عديد الشوائب، وهو ما يستوجب إحالة الأمر إلى القضاء. خروج بعض العبارات المنافية للأخلاق أجبر النائبة الثانية لرئيس مجلس نواب الشعب فوزية بن فضة على رفع الجلسة العامة وتأجيلها إلى موعد لاحق. هذا الأمر تسبب في رفع الجلسة العامة وتأجيل عملية التصويت إلى أجل غير مسمى بالرغم من بعض المساعي لإعادتها، وهو قد ما يعيد عملية اختيار الأعضاء الجدد إلى المربع الأول صلب اللجنة الخاصة بفرز الترشحات.
المصادقة على مشاريع القوانين
صادق مجلس نواب الشعب خلال جلسة عامة يوم أمس على مشروع القانون المتعلق بمقترح قانون يتعلّق بتعديل أحكام القانون عدد 21 لسنة 1995 المؤرخ في 13 فيفري 1995 والمتعلق بالعقارات الدولية الفلاحية، والذي تم تأجيله في الجلسة الفارطة، برمته بــ 113 نعم 21 إحتفاظ و08 رفض. يهدف مشروع القانون الأول المتعلق بالعقارات الدولية الفلاحية إلى تسوية وضعية تعاضدية الخدمات الفلاحية «النجاح» بالمكناسي، سيدي بوزيد، باعتبارها وضعية خاصة غير شبيهة ببقية الوضعيات في الجهة، فقد تمّ حل هذه التعاضدية وتصفية الأراضي التابعة لها وتعويضها بشركات ذات مسؤولية محدودة بشكل فردي منذ سنة 1991 أي قبل صدور القانون عدد 21 لسنة 1995 المتعلق بالعقارات الدولية الفلاحية ودون تدخل السلطات العمومية. وسيساهم مشروع القانون في رفع المظلمة التي تعرّض لها مستغلّو هذه الأراضي الفلاحية وتمكينهم من شهادات ملكية لإدماج هذه الأراضي في الدورة الاقتصادية واستغلالها بصفة قانونية.
تحرير الأراضي المهملة
النقاش العام بين نواب الشعب ثمن المبادرة المقدمة من قبل عدد من النواب، حيث اعتبر النائب محمد محسن السوداني أن المبادرة التشريعية تبدو مهمة جدا، لأنها ستعمل على تحرير الأراضي المهملة بالإضافة إلى أنها تمكن العديد من الأهالي من الاستثمار. كما اعتبر نواب الشعب أنه يجب العمل خلال المرحلة القادمة على تطوير العمل الفلاحي، من خلال تذليل الصعوبات أمام الفلاحين الذين يتعرضون لعديد الصعوبات للاستثمار في هذا المجال، بالنظر إلى عدم حوزتهم لشهادات ملكية. كما تساءل البعض عن أسباب اقتصار مشروع القانون على ما قبل سنة 1995، مطالبين بضرورة تطبيق مبدأ المساواة في تسوية الوضعيات. كما أوصى نواب الشعب بضرورة إعادة النظر في قانون الأراضي الفلاحية الدولية لحسن استغلالها والحفاظ عليها من قبل وزارة الفلاحة وكتابة أملاك الدولة، من أجل حسن استغلال الأراضي الدولية.
الحفاظ على الأراضي الدولية
كما شهد مشروع القانون كذلك مساندة من قبل نواب المعارضة الذين اعتبروا أنه بالرغم من أن موضوع الأراضي الدولية يستحقّ النقاش وفيه الكثير من الجدل، إلا أنه لابد من إنصاف الفلاحين وتمكينهم من الملكية العقارية بهدف الحفاظ على الأراضي الدولية مع العمل على تغيير منوال التنمية وإعطاء قيمة للقطاع الفلاحي لان تونس هي بالأساس دولة فلاحية. مشروع القانون وإن بدا خطوة أولى من أجل إصلاح الأراضي الدولية، إلا أنه يبقى منقوصا في انتظار وضع إستراتيجية شاملة وإعطاء الأولوية القصوى لحل إشكاليات الأراضي العقارية في جميع إنحاء البلاد التونسية. في المقابل، قال النائب نوفل الجمالي عن أصحاب المبادرة في رده على تساؤلات النواب أن المبادرة التشريعية لا تعتبر وليدة الصدفة وإنما جاءت على اثر تفاعل وحوار مع الحكومة، خصوصا وأن التغيير في صبغة الأراضي الفلاحي يجعل الناس يتراجعون عن بيع أراضيهم، وهو ما يساهم في المحافظة على الأراضي ومقاومة تشتت الملكية.
قرض بقيمة 93.100.000 أورو
من جهة أخرى، صادقت الجلسة العامة على مشروع قانون ثاني يتعلق بالموافقة على اتفاق القرض المبرم في 22 أفريل 2017 بين الجمهورية التونسية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير لتمويل مشروع التصرّف المندمج في المناطق الأقل نموا، بقيمة 93.100.000 أورو بنسبة فائدة قدرت بـ 0.94 بالمائة، على مدة سداد 32.5 سنة بما فيها 6 سنوات إمهال، بـ123 نعم 10 احتفاظ ودون رفض. ويأتي المشروع في إطار التمشي مع الدستور الذي يدعو إلى تكريس اللامركزية والإدارة التشاركية للموارد. ويهدف مشروع القانون إلى التصرف المندمج في المناطق الأقل نموا لتحسين التصرف المندمج في المشاهد والفضاءات الطبيعية وإتاحة الفرص الاقتصادية للمجتمعات الريفية المستهدفة في مناطق الشمال الغربي والوسط الغربي لتونس، وذلك من خلال تعزيز المنهج المتكامل لتنمية المشاهد الطبيعية من أجل تحفيز النشاط الاقتصادي وتطوير سبل العيش والتشغيل والمسائل المرتبطة بالنوع الاجتماعي. كما تعمل اتفاقية القرض على تحسين الإنتاجية الفلاحية وتعزيز التنوع البيولوجي والمساهمة في التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه، إلى جانب تحسين توفر المياه وجودتها. وسيعالج المشروع المسائل المتعلقة بالصعوبات التي يواجهها التزويد المستدام والإنتاج والطلب أو الوصول إلى الأسواق.
التشجيع على المبادرة الخاصة
النقاش العام بين نواب الشعب انتقد بالأساس بعض الأمور الشكلية كعدم استشارة لجنة الفلاحة واقتصار مناقشة مشروع القانون على لجنة المالية فقط، إلا أن مضمون مشروع القانون مهم للغاية باعتباره يشجع على المبادرة الخاصة وهو ما يستوجب متابعتها وتأطيرها، إلى جانب أنه يتيح العديد من الفرص الاقتصادية للأرياف. هذا وقد طالب نواب الشعب بضرورة وضع رزنامة وخطة عمل لتنفيذ البرامج والمشاريع المقررة ضمن مشروع القانون. ومن جهته، بين وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي محمد الفاضل عبد الكافي أن عملية اختيار الولايات المعنية بمشروع القانون جاء وفقا لمبدأ التمييز الايجابي وعلى اثر العديد من المفاوضات دامت سنة كاملة، بالإضافة إلى أن مشروع القانون يأخذ بعين الاعتبار إشكاليات نقص الموارد الغابية