و«التجاهر بالفحش» المنسوب لهؤلاء المواطنين هو تجاهرهم بإفطار رمضان في حديقة عمومية...
لسنا ندري هل من سابقة لهذا الحكم أم لا ولكننا نعتقد أنها من المرات القلائل جدا، إن لم تكن الأولى، التي يحكم فيها القضاء التونسي بسجن أشخاص من أجل الافطار جهرا خلال نهار شهر رمضان من خلال تأويل متعسف لـ«التجاهر بالفحش». والذي يقتصر في مفهومه الضيق على كل عمل أو قول يأتيه شخص في الفضاء العام يكون مخلا بالأخلاق بارتباط وثيق بالايحاءات الجنسية كأن يتعرى الشخص أو يتلفظ بعبارات منافية للحياء...
واليوم أصبح المفطر في رمضان جهرا، حسب هذا الحكم الابتدائي، مرتكبا لفحش في بلد يضمن فيه دستوره الحقوق والحريات ويقر فيه فصله السادس على أن الدولة «كافلة لحرية المعتقد والضمير»... لاشك أن احتواء نفس الفصل على الجملة التالية: «تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدسات ومنع النيل منها» قد يثير بعض الشبهات ولكن لا يمكن تأويل هذه الجملة بما يتناقض ومبدإ كفالة حرية المعتقد والضمير ولا أن يتحول عند القضاء المجاهر بإفطاره في رمضان - أيا كان موقفنا الديني والاخلاقي منه - إلى مجرم يحكم عليه بالسجن...
لا بدّ أن يضع المشرّع التونسي بوضوح حدّا لهذه المهازل التي تسيء لصورة بلادنا وألا تتوسع السلط القضائية في تأويل فصول المجلة الجزائية بصفة تعسفية تضيّق على الحريات الفردية فتضعنا ضمن دول محاكم التفتيش بينما اختار جلّ التونسيين والمؤسسين والقوى المدنية والاجتماعية والسياسية دستورا يضمن الحقوق والحريات...
الدين والتدين والرقي الروحي والأخلاقي لا يخشى من المجاهرين بالإفطار وإن كانوا الغالبية الساحقة من المواطنين.
يا عجبا لبلاد تضع حماية الدين والقيم في مستوى النهي عن التجاهر بالفحش...
ما حصل يوم أمس في بنزرت فضيحة تتحمل السلط الثلاث مسؤوليتها فيها كاملة!