خيرات طيّبة وأسعار أُجَاج : التونسي بين تجنّب التطرف الاستهلاكي والاستجابة لحاجباته...

من أمام أحد الباعة المنتصبين بالسوق الأسبوعية بمنوبة يقف كهل خمسيني يقرأ لافتات الأسعار،

يهز حاجبيه متعجبا ، يتمتم ،يتردد ،ثم يستجمع قواه ويسأل البائع ،لماذا كل هذا الغلاء ، سعر كلغ من الفلفل تجاوز 3 دينارات ، سعر الطماطم يناهز دينارين والبطاطا أيضا لماذا عاودت الارتفاع ...تساؤل اختصره البائع في كلمة " السلعة ناقصة " وفي المقابل وجد الرجل نفسه مجبرا على التقليص في حاجياته بما يتماشى مع إمكاناته المادية ،ولايعد الكهل استثناءا بين مرتدين السوق الذين يلجئون إليه طمعا في التمتع بأسعار مناسبة،خاصة خلال شهر رمضان الذي تتصاعد فيه المخاوف من جنون الأسعار التي تغذيها اللهفة من جهة والمستكرشين من جهة أخرى و في كلتا الحالتين تكون كلفة القفة عند مستويات مرتفعة قله هم من يستطيعون تحمل عبئها.

شهدت قفة التونسي منحى تصاعديا خلال السنوات الأخيرة ويتصاعد النسق خلال المواسم الاستهلاكية على غرار شهر رمضان ،حيث تصبح تكلفة القفة أثقل وهو ما يزيد من تراجع المقدرة الشرائية التي تعرف بدورها تدهورا إزاء موجة الغلاء التي طالت مختلف المنتجات بإختلاف أصنافها.

تحدثت جريدة "المغرب"مع رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي حول تكلفة قفة التونسي خلال شهر رمضان ،حيث إعتبر أن القفة ستشهد زيادة في حدود 10 بالمائة مقارنة بالعام المنقضي بالنظر إلى أن نسبة التضخم المسجلة خلال شهر جانفي المنقضي لكن لابد من الانتباه من أن التضخم في بعض المنتجات الغذائية قد تجاوز 15 بالمائة بحساب الانزلاق السنوي.

وقال الرياحي أن تكلفة القفة تختلف حسب الدخل الأسري،حيث يختلف الإنفاق وفق الدخل ولكن هناك تقدير بأن كلفة القفة يوميا في شهر رمضان لعائلة من أربعة أفراد لن تقل عن 40 دينار وهي قفة لايمكن أن تستجيب لجل الحاجيات باعتبار أن القفة التي تستجيب لأساسيات الغذاء تتعدى 60 دينارا،مشيرا إلى أنه يكفي معرفة أن سعر الكلغ الواحد من اللحوم الحمراء يتجاوز 50 دينارا ،فالقفة التي تحتوي على أهم المواد الحساسة من الخضر واللحوم والبيض والألبان ومشتقاتها ستكون مكلفة لفئة واسعة من التونسيين .

وأكد رئيس منظمة إرشاد المستهلك إنّ وزارة التجارة التونسية قد أقّرت تجميد لأسعار المنتجات الغذائية المؤطرة، وخفضت في هوامش الربح للخضر والغلال علاوة على تسقيف أسعار بعض المنتجات الأخرى على غرار اللحوم البيضاء والبيض مما سينعكس إيجابا على كلفة قفة التونسي في رمضان.

تحتكم مكونات قفة التونسي إلى عدة عناصر لكن يبقى الدخل الفردي المحدد الأساسي لنفقات التونسي مثلما يؤكد المسح الأخير للمعهد الوطني للاحصاء حول الإنفاق ،حيث يخصص التونسي 30.1% نفقاته على المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية وترتفع النسبة إلى 34.3 بالمائة في الوسط غير بلدي ويخصص إنفاق التونسي 5 بالمائة لإنفاق على الخضر و2.3 بالمائة على الغلال ولحوم والدواجن ب6.9 بالمائة ويخصص 4.4 بالمائة للإنفاق على الحليب ومشتقاته والبيض.

ويشير المسح المنجز من طرف المعهد الوطني للاحصاء إلى أن متوسط الإنفاق السنوي عن الحبوب يقدر ب196 دينار و165 دينار للخضر الطازجة والغلال ب124 دينار ويصل مستوى إنفاق الفرد عن اللحوم والدواجن إلى 377 دينار ،181 دينار منها تخصص للإنفاق حول لحم العلوش .

في تركيبة قفة التونسي ....

ترتكز قفة التونسي على سلة من المنتجات من خضر وغلال ولحوم بالإضافة إلى بعض المنتجات اليومية على غرار الألبان والخبز...تؤكد متابعة الأسعار تطورا رهيبا في الأسعار وفي مايلي بعض التطورات في أكثر المنتجات استهلاكا خلال شهر رمضان مع العلم أن نسبة التضخم لأسعار الخضر الطازجة قد ارتفعت بنسبة 18% خلال شهر جانفي بحساب الانزلاق السنوي.

 

أما عن أسعار اللحوم البيضاء، فقد صعدت بنسبة 11.2 بالمائة مع العلم أنه قد تم تسقيف سعر الكلغ من دحاج اللحم منذ عدة أشهر ب8500 للكل و16 دينار للكلغ من السكالوب مقابل ارتفاع بنسبة 33 بالمائة للحم الضأن و 10.3 بالمائة للحم البقر.

واللافت في أسعار اللحوم الحمراء التي تشهد نسقا تصاعديا ،حيث قفز سعر الكلغ من لحم الضأن بين 2012 و 2025 بأكثر من أربعة مرات ،وقد وصلت نسبة التطور بين 2019 و 2025 إلى 100% ،فقد ارتفع سعر الكلغ من مستوى 28 دينار في 2019 إلى 52 دينار في2025 مع العلم أن الأمر يتعلق بسعر اللحوم الحمراء المحلية وفق ماأفاد به رئيس الغرفة الوطنية للقصابين للمغرب أحمد العميري الذي أكد تراجع معدل استهلاك التونسي للحوم بسبب إرتفاع أثمانها ،ففي 2019 كان معدل استهلاك عند 15 كلغ من اللحوم الحمراء قبل ان تنخفض إلى 6 كلغ حاليا ولفت العميري إلى أن مستوى المبيعات قد شهد تراجعا منذ كوفيد 19 إلى معدل 8 كلغ يوميا عن بعض القصابين معتبرا أن تعزيز العرض بالكميات الموردة التي انطلق ترويجها بالسوق المحلية من شأنه أن يصعد بحجم المبيعات والتي يمكن إن يصل إلى معدل المبيعات اليومية خاصة خلال شهر رمضان إلى 50 كلغ .

من جهته يؤكد اتحاد الفلاحة والصيد البحري تراجع الإنتاج الوطني من اللحوم الحمراء إلى 126 ألف طن مقابل معدل استهلاك ب130 ألف طن وقد أدى تراجع عدد القطيع في تراجع الإنتاج و تباعا تراجع العرض مما نجم عنه ارتفاع في الأسعار ،حيث أكد مدير وحدة الإنتاج الحيواني بإتحاد الفلاحة والصيد البحري منور الصغيري غلاء أسعار اللحوم الحمراء ،حيث باتت ثمن كلغ من اللحوم الحمراء يمثل 8.6% من الأجر الأدنى مما زاد في عزوف التونسي على اللحوم الحمراء مقابل ارتفاع إقباله على اللحوم البيضاء التي كان نسق ارتفاعها أقل بكثير من اللحوم الحمراء، ولئن بات قطاع الدواجن الملاذ الممكن للعائلات منخفضة ومتوسطة الدخل بالنظر إلى الأسعار المشطة لمصادر البروتيينات كاللحوم الحمراء تكون لحوم الدواجن والبيض في متناول اليد وأن كل ارتفاع في الأسعار كما حصل في الفترة الأخيرة يهدد المقدرة الشرائية والتغذية كذلك.

التونسي بين الشهوات والتبذير....

لايختلف اثنان أن شهر رمضان الكريم من أكثر الأشهر استهلاكا للسلع الغذائية،حيث تتصاعد "الشهوات الغذائية" ومن المؤكد أن النمط الاستهلاكي ليس بالضرورة سيكون سليما سواء على مستوى الصحة أو جيب المواطن و في هذا الإطار أكدت دارين الدقي مديرة بالمعهد الوطني للاستهلاك في تصريح ل" المغرب" أن النمط الاستهلاكي خلال شهر رمضان يشهد عدة تغييرات إلا أن هذا التغييرات لاتتطابق مع حاجيات الجسم للأسف ولايمكن إعتبارها صحية للمستهلك ،حيث تتصاعد وتيرة استهلاك المصبرات بكثرة على غرار التن والعصائر والحلويات والمعجنات والبيض .

وأكدت الدقي أن جل الدراسات التي قام بها المعهد الوطني للاستهلاك أثبتت أن شهر رمضان هو شهر "التبذير بإمتياز" ففي الوقت الذي يشكو التونسي من غلاء الأسعار وتدهور مقدرته الشرائية يقوم بالتبذير و الإسراف في الشراء بما يتجاوز امكانته المالية وحاجياته الغذائية.

وقالت الدقي أنه وفقا للدراسات المجراة فإن ثلثي الأفراد التي تم استجوابها قد أكدت تبذيرها للأكلات المطبوخة خلال شهر رمضان و تأتي مادة الخبز في المرتبة الثانية مع العلم ان مادة الخبز تعد أكثر المنتجات تبذيرا على مدار السنة وتأتي الخضر والغلال في المرتبة الثالثة من حيث التبذير خلال شهر رمضان في الوقت الذي يشكو التونسيون من غلاء أسعارها.

وزارة التجارة واستعداداتها لشهر رمضان ...

تسعى وزارة التجارة وتنمية الصادرات خلال شهر رمضان إلى تأمين سوق متوازن ونزيه ودرجة عالية من الحماية للمستهلك ،حيث أكدت أن تزويد السوق سيكون أساسا عبر التعويل على الإنتاج المحلي واللجوء إلى التوريد كحل استثنائي وظرفي على غرار الانطلاق في تعديل العرض في السوق باللحوم المبردة الموردة من شركة اللحوم (ضأن وأبقار) وتعديل العرض في السوق من مادتي الفلفل والبطاطا عن طريق التوريد من طرف الخواص.

وفي مايتعلق بالأسعار، فقد تم تسقيف الأسعار القصوى بالجملة للخضر الرئيسية وتحديد هامش ربح موحد لبيع الخضر والغلال بالتفصيل بـ 25 بالمائة ،كما تحديد هامش ربح مخفض بالمساحات التجارية بـ 15 بالمائة ،كما تم تسقيف الأسعار القصوى للحوم الدواجن (8500 مليم الكلغ للدجاج الجاهز للطبخ و16000 مليم الكلغ لشرائح الدجاج والديك الرومي) والبيض (1400 مليم الأربع بيضات).

وفي مايتعلق باللحوم الحمراء ،فقد تم تحديد أسعار بيع قصوى للحوم الأبقار المبردة الموردة (35500 /32000 / 25500 مليم الكلغ ) ولحوم الضأن الموردة (38200 مليم الكلغ) مع وضع أسعار تفاضلية للحوم المحلية بنقطة بيع شركة اللحوم (34500 مليم الكلغ للأبقار و42000 مليم الكلغ للضأن تخفيضات تلقائية من المهنة على اللحوم المحلية والموردة ، اما عن الأسماك فسيقع مواصلة العمل بتحديد هامش ربح أقصى للتوزيع بالتفصيل بـ 25 بالمائة

في إطار الاستعداد لشهر رمضان، انطلقت وزارة التجارة في تنفيذ برنامج رقابي استباقي منذ بداية شهر فيفري 2025 يستهدف عمليات الخزن الاحتكاري والمضاربة غير المشروعة وسلامة المنتجات على أن يتم تنفيذ برنامج رقابي خصوصي مشترك خلال الشهر الكريم يهدف إلى تكثيف المراقبة اليومية والنوعية بمسالك التوزيع للتصدي لمختلف الممارسات الاحتكارية والتجاوزات المخلة بشفافية ونزاهة المعاملات والأسعار.

ويستهدف العمل الرقابي المنتجات الفلاحية الطازجة، المواد المدعمة، المواد الغذائية العامة، المخابز والحلويات التقليدية خلال النصف الأول من شهر رمضان على ان يقع توسيع مجالات التدخل لتشمل المقاهي وفضاءات الترفيه، الملابس والأحذية، لعب الأطفال ومستلزمات العيد خلال النصف الثاني من شهر رمضان.

وقد تم في الغرض العمل على تدعيم الوسائل اللوجيستية للمراقبة الاقتصادية بتسخير 34 سيارة إضافية عن طريق الكراء من طرف المؤسسات تحت الإشراف بما سيمكن من الترفيع في عدد الفرق الميدانية المسخرة إلى ما يقارب 200 إلى 250 فريق حسب الفترات أغلبها مشترك مع المصالح الأمنية.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115