جميعا وبدل أن يكون لدينا شغالون فعليون وشغالون شبه وهميين ومعطلون عن العمل، كما نقول في بلادنا، أضحى لدينا عاطلون بالجملة في ليلة واحدة... وهكذا جنى على البلاد ضعف إرادة سياسييها وحماقات بعض أهاليها وخوف الجميع من قول الحقيقة: بتروفاك، وكل المؤسسات الاقتصادية الأخرى، ليست دجاجة ذهبية نبتزها صباحا مساء ونعقرها يوم الأحد... بتروفاك وغيرها من المؤسسات الأجنبية والمحلية تستثمر لكي تجني أرباحا وعند استحالة عملها فقد تضطر إلى التضحية بآلتها الإنتاجية وتنطلق إلى سماوات أخرى أرحم بها...
تمثل بتروفاك الحالة القصووية لانحراف أخلاقي تغاضينا عنه منذ الثورة: تعطيل العمل بغية توزيع الثروة.. ولا أحد قال بالوضوح الكافي لهؤلاء المحتجين أنه دون عمل لا وجود لثروة أصلا وأننا لا نملك ريعا نتقاسمه مع الخمول... فريعنا الوحيد هو قوة عملنا فقط لا غير...
يعتقد بعضنا أن «صُلاَّح» البلاد سينقذوننا من كل الكوارث وأننا نعيش في عالم سحري ينتهي دوما بخسارة الساحرة الماكرة وبزواج الأمير بالأميرة... وأن ما سوى ذاك فهو كذب وبهتان..
لا يهمنا هنا تعداد ما خسرته وستخسره تونس من جرّاء غلق بتروفاك سواء آكان ذلك على المستوى المالي الصرف أو على المستوى الطاقي... لأن الخسارة أعظم وأفدح من ذلك بكثير...
نحن الآن بصدد تصدير صورة جديدة لبلادنا: تونس هي بلد الاحتجاج والاعتصام والدولة الضعيفة والعمل المهدور... ولا يهم هنا إن كانت الأغلبية الساحقة من مؤسسات بلادنا في غير وضعية بتروفاك وشركة فسفاط قفصة فالصورة تُبنى دوما على المظاهر الأكثر كاريكاتورية... وفي وضعية الحال فهذه الصورة ليست ظالمة كثيرا بل تشي ببعض أمراضنا العميقة والتي لم نجد لها إلى الآن الحلول المرضية والدائمة...
إلى متى سنبقي بعض كبريات مؤسساتنا الاقتصادية رهينة في أيدي بعض المعتصمين وذلك أيّا كانت مبرراتهم ودواعيهم وأيا كان تفهمنا لصعوبة أوضاعهم؟
لا نريد عودة العصا الغليظة لأننا عندها نكون قد خسرنا كل شيء... نريد فقط أن تقوم كل الأطراف بواجبها وألا تخضع الأغلبية إلى استبداد أقليات أصبحت عندها القضايا المشروعة للمهمشين أصولا تجارية تريد الترفيع في أسهمها على حساب البلاد ومصالحها الحيوية...
ينبغي أن نعي جيّدا دروس غلق بتروفاك قبل المرور إلى غيرها...
كيف تمكنت مجموعة قليلة العدد من فرض إرادتها على أهالي جزيرة قرقنة وشركة بتروفاك والدولة واتحاد الشغل والأحزاب وكل جمعيات المجتمع المدني؟!
كيف سمحنا بتعطيل .....