ماذا ينقص تونس حتى تسود فيها أخلاق اللطف والمودة بين الناس والسلوك المتحضر في الطريق العام؟
ماذا ينقص تونس حتى تنطلق عجلة الاقتصاد من معيقاتها الكثيرة وحتى تنجز السلطة التنفيذية المشاريع التي تبرمجها في مواعيدها المضبوطة وبالجودة المطلوبة؟
ماذا ينقص تونس حتى يستثمر رجال ونساء الأعمال في كل شبر من تراب الجمهورية حتى يتضاعف الاستثمار العمومي والخاص وتتضاعف معه إمكانيات التشغيل بالنسبة لمئات الآلاف من العاطلين عن العمل؟
ماذا ينقص تونس حتى يكون تعليمنا العمومي في مستوى من الجودة والتنافسية العالية وحتى يستفيد جل أبنائنا من هذا الامتياز وألا يكون التفوق الدراسي حكرا على أقلية قليلة في المجتمع؟
ماذا ينقص تونس حتى تكون منظومتنا الصحية العمومية ذات فاعلية وإنسانية في التعامل مع كل أصناف المواطنين والمرضى؟..
ماذا ينقص تونس لكي يكون الفاسدون المفسدون في مكانهم الطبيعي ولكي نقضي على الرشوة والمحسوبية وأن نكون بلاد العمل والنزاهة والشفافية؟
يمكن أن نعدد هذه الأسئلة إلى ما لا نهاية له وسوف نكتشف في كل مرة أنه لا ينقصنا شيء كبير... تنقصنا فقط الإرادة الجماعية والمثابرة في السير على النهج القويم وأن تتجاوز إصلاحاتنا أعمار حكوماتنا لأن الإصلاح الفعلي والجدي إنما يخطط له على امتداد سنوات بل عقود.. بينما جل إصلاحاتنا بعد الثورة إنما وضعت لتدوم أشهرا معدودات هذا إن دخلت فعلا حيّز التنفيذ والإنجاز...
لقد حققت بلادنا ما استعصى، إلى اليوم، على عدد كبير من بلدان العالم: ثورة ديمقراطية تعيد الحكم إلى الشعب وحرية لا ينظمها إلا القانون رغم كل صعوبات التطبيقات وعمل بعض اللوبيات على إفساد هذا المسار...
لقد حقّقنا الأصعب والأخطر والأدق: ديمقراطية سلمية تحتكم إلى الصندوق لا إلى السلاح... ومع ذلك ترانا نتعثّر في تحقيق أشياء تبدو أقرب منالا بكثير من الديمقراطية السياسية...
عندما نمعن النظر في كل نقائصنا – وما أكثرها – تقفز على السطح حقيقة مُرّة توارثناها جيلا عن جيل وهي عدم الإيمان بالحلول الجماعية وبأننا، سويا، أقوى على مواجهة مشاكلنا فترانا جميعا نركن إلى الحلول الفردية إما لدفع مضرة «أخطى راسي واضرب» أو لجلب منفعة «نفسي نفسي لا يرحم من مات» والحال أن الأمم والشعوب لا تنهض إلا بسريان روح عامة فيها تجعل كل قواها تشتغل في نفس الاتجاه وبتناغم لتحقيق التقدم والازدهار.. فهذا ما يفسر التقدم المذهل الذي حققته عدة دول آسيوية في جيل أو جيلين (بدءا باليابان ووصولا إلى الفياتنام ومرورا بكوريا الجنوبية والصين وسنغافورة وغيرها) بينما ظلت جل الدول العربية والإفريقية تراوح مكانها..
وهذا ما يفسر أن عدد التلاميذ المتفوقين في تونس لا يصل إلى 1 % بينما تصل هذه النسبة في بعض المناطق الآسيوية إلى أكثر من النصف...
لعلنا لم ندرك بعد أن حاضرنا ومستقبلنا إنما هو من صنيعة أيادينا نحن كلنا الأحد عشر مليون تونسية وتونسي وأننا لو لم نتكاتف من أجل تنظيف البلاد والرفع من نسق الإنتاج ومحاربة البطالة والقضاء على الفساد والمحسوبية وخلق فرص التفوق والامتياز لكل بناتنا وأبنائنا... لو لم نفعل هذا معا جميعا فلن يقوم بهذه المهام أحد...
صحيح أن للدولة مسؤولية توفير المنظومات العامة لتأطير هذا الجهد وصحيح أيضا أن الديمقراطية تعني تعدد وتنوع واختلاف آرائنا وتقييمنا لسبل الإصلاح ولكن هنالك روافع للإصلاح لا ينبغي الاختلاف عليها وإلا ضعفنا جميعا وذهبت ريحنا.. لا ينبغي أن نختلف في دفع نمو اقتصاد بلادنا إلى مداه الأقصى ولا ينبغي أن نختلف في ضرورة تنمية كل مناطقنا المحرومة لا على أساس ريع (لا نملكه) نتقاسمه بل على أساس العمل وخلق الثروة والاجتهاد في تنميتها لا في التواكل على دولة حاضنة وحامية ومشغلة...
لا بد ان تتوحد كل جهودنا من أجل سياسة تربوية تراهن على التفوق وتجعل منه في ذات الوقت أمرا مشاعا بين كل أطفالنا لا أن نقيم المعارك الواحدة تلو الأخرى فتضعف ثقة الجميع في المدرسة العمومية فتهجرها الطبقات الميسورة ثم الطبقات الوسطى لنكون بذلك قد قضينا نهائيا على تعليم عمومي ديمقراطي مدمج بدعوى الإصلاح....
ما ينقصنا فعلا في تونس هو شيء من التواضع والتضامن والتآزر والقطع مع عقلية «تدبير الراس» وتحقيق مكاسب صغيرة في صراعات صغيرة...
لا شيء، ينقص تونس، هيكليا، لتكون بعد جيل على ....