وهذا «التطور» الحاصل في شبكات الجريمة المنظمة طبيعي ومنتظر وحصل في جل بلدان العالم فكل شبكة إجرامية تتاجر في سلع ممنوعة أو مهربة كالمخدرات والسلاح والعملة والسجائر والكحول وغيرها تلجأ إلى الميليشيات المسلحة كلما تضخمت مواردها وكثرت شبكات تمويلها وتموينها... وهذه الميليشيات هي نوع من «الضمان» يدفع لحماية هذه السلع.... خاصة عندما تكون هنالك منافسة بين شبكات الإجرام هذه على مواقع النفوذ وعلى مسالك التوزيع... ولهذا تسمى بالجريمة المنظمة لأنها تقحم في مجال نشاطها قتلة محترفين وعادة ما «تتعاقد» هذه الشبكات مع المليشيات الإرهابية أو التي تنتصب للحساب الخاص وتعرض خدماتها على كبار المهربين المحليين والإقليميين..
فأن يعمد بارونات التهريب في تونس إلى ميليشيات ليبية مسلحة لا نعلم بالضبط طبيعة انتماءاتها وتشكلها مؤشر على تطور خطير في عالم الجريمة المنظمة في بلادنا... وهو يدل على أننا أمام أخطبوط يبدأ بالحيتان الكبيرة التي أضحت تتمتع بما يشبه الحصانة بل أصبح هؤلاء «وجهاء» في قومهم لا تردّ كلمتهم ويطلب الجميع «نصحهم»و»إعانتهم» وينتهي هذا الأخطبوط عند صغار المهربين والذين لا نعلم هل هم مرتبطون بصفة عضوية بالحيتان الكبيرة أو الوسطى أم أنهم منتصبون للحساب الخاص ويقتاتون من الفتات الذي تتركه هذه الحيتان بصفة متعمدة حتى تشكل حول هذه النشاطات الخارجة عن القانون نوعا من الحزام الاجتماعي الذي يحمي هذه الشبكات ويعسر عمليات اختراقها أو تحجيمها من قبل السلط العمومية...
فكلما تم تشديد الخناق، ولو بصفة جزئية، على بعض المهربين إلا وانتفض بعض الأهالي من كل الأجيال مطالبين بشرعنة هذه النشاطات الخارجة عن القانون في انتظار تنمية لم تأت بعد...
وعند كل حركة احتجاجية تتراجع الدولة بدعوى الحفاظ على السلم الأهلية ومع كل تراجع للدولة تزداد الشبكات الإجرامية قوة وامتدادا وتنوعا... إلى أن أضحت تحاكي اليوم في طرق عملها المافيات التقليدية القائم نشاطها على «تجارة» ممنوعة يحميها «تنظيم» محكم له «جناح» علني يشتغل أحيانا بالسياسة أو بغيرها من النشاطات «الشريفة» وله «جناح» مسلح يسهر على حماية هذه النشاطات وينتقم من الخصوم أو الوافدين الجدد ويهدد ....