وعند التدقيق في الموضوع تبيّن أننا لسنا أمام روتين إداري بل أمام صعوبات متراكمة تجعل الصندوق الوطني للتأمين على المرض عاجزا على الإيفاء بتعهداته في الآجال التعاقدية... وهذا العجز مأتاه الأساسي هو عدم حصوله على مستحقاته من الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية (CNRPS) والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) والسبب واضح: عجز هذه الصناديق على الإيفاء بكل تعهداتها فتراها تعطي الأولوية المطلقة لتسديد جرايات المتقاعدين وحتى في هذا المجال نلاحظ تأخر إقحامها للزيادات المقرّرة في الوظيفة العمومية في احتساب جراية التقاعد إلى حدّ اليوم...
والصورة هي التالية: بدأ العجز ينخر الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية قبل الثورة ببعض سنوات ثم شهد منحى تصاعديا خطيرا منذ سنة 2013 وتبعه بعد سنة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وهذا ما أثّر بصفة واضحة على الصندوق الوطني للتأمين على المرض فأضحى يسدد مصاريف المتعاقدين معه بصفة متقطعة للغاية أضرت بالمواطن وبالمهن الصحية وبالمستشفيات العمومية...
خطورة وضع الصناديق الاجتماعية وحاجتها الأكيدة إلى ضخ سيولات هامة حتى تواصل في أداء الحد الأدنى المطلوب منها كان موضوع مجلس وزاري مؤخرا حتى تجد الدولة الحلول العاجلة لتوفير ما أمكن لها، في ظرف مالي صعب، حتى لا تتوقف هذه الصناديق عن الاشتغال...
ما هي احتياجات هذه الصناديق الثلاثة؟
تبيّن معطيات وزارة الشؤون الاجتماعية أن هذه الصناديق تحتاج إلى موفى هذه السنة لحوالي 900 مليون دينار لتفي بالتزاماتها تجاه منخرطيها... والاحتياجات الأكبر – وهذه مفاجأة إلى حد ما – هي احتياجات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التي ارتفعت إلى أكثر من 600 مليون دينار لهذه السنة فقط أما التوقعات بالنسبة لسنة 2017 ودائما من حيث الحاجيات الضرورية للسيولة المالية فنجد أنها تقارب 1500 مليون دينار أي بزيادة تفوق 50 %..
ومما لا يخفى على أحد هو أن الدولة ضامنة ضرورة وبصفة كلية لتعهدات الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية ولكن الوضع يختلف عندما نتحدث عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبصفة أقل بالنسبة للصندوق الوطني للتأمين على المرض... ولكن أيّا يكن الأمر ومهما كانت مسؤولية الأطراف الاجتماعية من شغالين ومشغلين فإن منظومتنا الاجتماعية، وهي من....