والمعلوم أنه كلما ازداد استعمال مفهوم إلا ودل على إشكال على المستوى العملي.. فتزايد نية الحرب على الفساد عند السياسيين بصفة ضمنية مع بعض الإقرار بالفشل أو حتى بالعجز على قيادة جدية وناجعة لمقاومة الفساد...
لم يكن أحد ينتظر بأن يتحول الفساد من اختصاص العائلات المتنفذة زمن بن علي إلى منظومات متشابكة تنخر جل مؤسسات الدولة والمجتمع اليوم...
واليوم الفساد أصناف وأنواع بعضه مرتبط بشبكات إجرامية خارجة على القانون وبعضه الآخر برابطة العنق وبكل مظاهر الألق الاجتماعي يطلّ بابتسامته الخادعة في مختلف دوائر القرار السياسي والإعلامي والجمعياتي حتى بدا لأناس نزهاء وكأنه قدر محتوم لا بد من التعامل معه لتجنّب شروره ليس إلا...
هنالك شبه إجماع في البلاد على أن كل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة أعلنت الحرب على الفساد، وآخرها حكومة الحبيب الصيد، ولكن حصيلة هذه الحرب هزيلة إلى أبعد الحدود...
ولقد وجدنا في تونس عبارة جميلة لتلخيص هذه الوضعية وهي «غياب الإرادة السياسية» وفي الحقيقة عندما ندقق في الأمر نرى أن «الإرادة السياسية» هي الغائب الأبرز في كل المجالات باستثناء مجال وحيد وهو مقاومة الإرهاب وذلك لأن من يقود هذه الحرب هما المؤسستان العسكرية والأمنية وأن دور السياسيين اليوم فيها يكاد يقتصر على الدعم المادي عبر الميزانية والدعم المعنوي قياديا وشعبيا... أما التصميم والتنفيذ والمتابعة فقد تركت – ولله الحمد – لأصحاب الخبرة والاختصاص ولذلك كانت النتائج في هذا المجال أفضل
بكثير من نتائج إنجازات السياسيين في كل المجالات الأخرى ومن بينها مقاومة الفساد...
«الإرادة السياسية» تعني فقط التصميم على خوض هذه الحرب وتوفير كل إمكانياتها البشرية والمادية والمعنوية... فعندما نعلم أن الحكومة الحالية لطالما تلكأت لمنح ميزانية زهيدة لا تتجاوز بعض ملايين الدنانير لهيئة مكافحة الفساد فذلك مؤشر على غياب الإرادة رغم «الخطابات» الرنانة في نهاية المطاف...
وعندما نعلم أن القطب القضائي المالي ما زال مفتقرا للإطار التشريعي وللإمكانيات البشرية والمادية ولحماية القائمين بهذه المهام الصعبة ندرك لِمَاذا لم نتقدم في محاربة الفساد قيد أنملة وبقينا نراوح مكاننا ونشهّر ببعض مظاهر الفساد «الصغير» دون نفاذ إلى قلب الأفعى المتربصة بالجميع...
البلاد تحتاج إلى إصلاحات وإلى جرأة في كل الميادين... فجل المنظومات .....