قد انتهت وأنها ستعرض على رئاسة الجمهورية خلال الأيام القادمة قبل أن يقع التوجه بها إلى التونسيين.
يصادف هذا الأسبوع الموعد المفترض لتقديم المبادرة رسميا وفق تصريحات صادرة عن المنظمات الأربع والتي حملت في طياتها تأكيدا على أن تونس تحتاج إلى وحدة وطنية وفي حاجة الى الحوار وان تحقق هذا مقترن بإقتناع الرئاسة بالمبادرة لضمان حسن تنزيلها وتنفيذ ما سيقع الاتفاق عليه بين المتحاورين. وهو ما يقود الى معضلة تكررت مواجهتها خلال السنتين والنصف الفارطتين، تاريخ طرح فكرة الحوار الوطني في نوفمبر 2020.
وتتمثل المعضلة في أن التصور الذي رسمه الرباعي وتضمن الشروط الموضوعية لانجاح المبادرة يقوم بالاساس على دور مركزي لرئاسة الجمهورية في الحوار اما كجهة مشرفة او كجهة ستتولى تنزيل مخرجاته، في وقت قال فيه الرئيس من روضة آل بورقيبة «لا معنى لإقامة حوار وطني طالما ان البلاد بات لديها برلمان وقع انتخابه من قبل الشعب».
أي أنه لا يرى للحوار، وفق تصورات المنظمات الأربع، أية ضرورة للانعقاد، وقد بين الرئيس في أكثر من محطة في مساره السياسي انه يرفض فكرة الحوار مع الاجسام الوسطية يعتبرها التفافا على مطالب الشعب وإرادته وتقاسما للمنافع والمصالح، كما يرفض مثل هذه الصيغ من الحوارات ويفضل الحوارات المباشرة التي يشارك فيها الشعب.
وهنا تجد المنظمات الأربع – اتحاد الشغل، وعمادة المحامين ورابطة حقوق الانسان والمنتدي الاقتصادي- نفسها امام معضلة وهي: كيفية اقناع الرئيس بقبول ما سبق له أن اعلن عن رفضه له فالرئيس رفض الحوار شكلا ومضمونا.
على مستوى الشكل يرفض الرئيس ان تلعب الاجسام الوسيطة أي دور في المسار السياسي لـ25 جويلية وفي منظومة الحكم التي افرزها، كما يرفض ان تلعب اية جهة دور القاطرة التي تقود المبادرة السياسية غير مؤسسة الرئاسة باعتبارها تعبر عن وحدة الدولة والاهم أنها تعبّر عن ارادة الشعب، وقد تجسد هذا في الاستشارة الوطنية وفي الحوار الذي انتظم لصاغية مشروع دستور 2022.
أما على مستوى المضمون فيرفض الرئيس جملة من المنطلقات التي تستهل بها مبادرة الرباعي والتي تضمنتها وثيقتها الإطارية، وهي الإقرار بأن البلاد تواجه أزمة سياسية وأن النهج الأحادي للحكم يراكم الأزمات.
في المحصلة تقدم لنا حجج الرئيس لرفض الحوار وهي ابرز عناصر مبادرة الرباعي، المازق الذي ستواجهه المنظمات لاقناع الرئيس بتغيير موقفه وتكشف بشكل غير مباشر عن طبيعة التعديلات التي قد تضطر المنظمات الى إدراجها على مبادرتها لضمان مشاركة الرئيس.
على المستوى السياسي قد نكون أمام حتمية إعادة صياغة كامل مضمون المبادرة بما يتناسب مع المشهد الراهن، أي إقرار الرباعي بشرعية مجلس النواب وإدراج البرلمان ضمن اطر المبادرة كفاعل فيها، وهذا يعنى التراجع أيضا للمطالبة بتعديل دستور 25 جويلية 2022 ، وهي تعديلات قد تكون ضرورية لتجاوز العقبات وتقريب إرادات كل الإطراف، أي تقريب وجهة النظر بين الرئاسة والمنظمات، وهذا سيقود في النهاية الى مبادرة دون مضمون سياسي فعلي مما يترك لها فقط الجانب الاجتماعي والاقتصادي، وهنا قد يكون التقارب في التصورات بين الرئيس والمنظمات عنصرا مهما، إذ أن للجميع مقولات مشتركة وتصورات متماثلة لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية بمقاربة ذات بعد اجتماعي، مما يعني أن الرباعي قد يضحي بالمضمون السياسي لمبادرته من اجل ضمان تمرير الجانب الاقتصادي والاجتماعي منها.
هنا نكون وفق هذه الفرضية أمام مبادرة أفرغت من مضمونها السياسي.