اتفاق تونس مع صندوق النقد الدولي: هل تتدارك السلطة و تتجنب المحظور

لم يكشف تصريح جوزيب برويل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي عمّا هو مجهول لدى التونسيين، أزمتنا المالية استفحلت وباتت تهدد الاقتصاد والمالية العمومية بالانهيار،

ولا سبيل لنا للخروج من هذه الأزمة إلا الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. وما صرح به المسؤول الأول عن السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي هو إعادة تذكير للتونسيين وسلطتهم بأهمية الوصول إلى اتفاق ممدد مع الصندوق لضمان خطوط تمويل للميزانية في ظل شبح ركود يخيم على الاقتصاد العالمي ستكون له عاجلا ام اجلا تداعيات سلبية على الاقتصاد التونسي.

اتفاق تدرك السلطات التونسية ان أهميته تكمن في انه بطاقة عبور تسمح بتعبئة موارد مالية عبر آلية الاقتراض الثنائي أو المتعدد وانه إعلان عن الثقة في قدرة الدولة التونسية على الإيفاء بتعهداتها المالية وبداية تعافي الاقتصاد التونسي. هذه هي أهمية الاتفاق الذي بات شرطا أساسيا يوضع أمام تونس من قبل جل الدول أو المؤسسات المالية لإقراضها، وهو ما عبر عنه صراحة جوزيب برويل بقوله ان "الاتحاد الأوروبي لن يستطيع دعم تونس ما لم تصل الى الاتفاق مع الصندوق" والقصد هنا ان الاتحاد لن يدعم تونس اذا لم تنطلق في تنزيل خطة الإصلاحات الاقتصادية.
ان تعثر وصول تونس إلى غاية اليوم لاتفاق مع صندوق النقد الدولي مرده تعثر مسار تنزيل الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي تم الاتفاق عليها مبدئيا بين خبراء الصندوق والسلطات التونسية في أكتوبر 2022، تعثر كانت نتيجته المباشرة تاجيل النظر في الملف التونسي الى حين انطلاق الحكومة التونسية في تطبيق اصلاحاتها.
اصلاحات قالت رئيسة الحكومة في منتصف فيفري الفارط انها كانت موضوع نقاش بينها وبين المديرة التنفيذية للصندوق التي ابدت وفق بلاغ رئاسة الحكومة دعمها لها، إذ إن نجلاء بودن والوفد المرافق لها قدما لكريستينا غورغييفا ما يفيد بداية تنزيل الحكومة للإصلاحات وقدما لها أساسا تنقيح القانون عدد9 المتعلق بالمؤسسات العمومية.
ذلك ان الصندوق وضع جملة من الشروط لابرام الاتفاق مع تونس، يمكن اختزالها في تقديم قانون مالية يتضمن بداية الاصلاحات المتعلقة بكتلة الأجور ونفقات الدعم، تقديم قانون يتعلق بالمؤسسات العمومية وحوكمتها وثالثا تقديم مصادر تمويل عجز ميزانية 2023. لكن وبعد مرور شهر على ذلك اللقاء في امارة دبي لم يتحقق شيء مما قدمته الحكومة للصندوق وهو ما انعكس سلبا على مسار المفاوضات بينهما، لنبلغ المرحلة الراهنة التي لا يمكن وصفها الا بالحرجة والخطرة جراء عدم انطلاق الحكومة في تطبيق الاصلاحات ومنها الرفع في سعر المحروقات تدريجيا لتبلغ حقيقة الأسعار في نهاية السنة والانطلاق في الرفع التدريجي للدعم عن المواد الغذائية الأساسية.
للوقوف على حقيقة المخاطر لنعد الى تصريح المسؤول الاوروبي وما يعنيه ذلك من تقلص مساحة التحرك لتعبئة موارد مالية كذلك تراجع ثقة المؤسسات الدولية وشركاء تونس في قدرتها على الحفاظ على توازناتها المالية ما لم تشرع في تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية والمالية الموجعة .
فالقول بأن الاتحاد الاوروبي لا يستطيع مساعدة دولة غير قادرة على توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي هو بمثابة إعلان صريح عن بلوغ البلاد مرحلة دقيقة ودفعها الى احد الخيارين، تنزيل الاصلاحات والاتفاق مع الصندوق او خسارة ثقة المؤسسات الدولية والاقليمية وشركاء تونس.
وصول البلاد إلى نقطة مفصلية في تاريخها تقف فيه امام مسارين، احدهما فقط يحول بينها وبين الانهيار المالي والاقتصادي الذي بات في مرمى البصر، وما كان حائلا دونه خلال هذا الثلاثي الاول هو المؤشرات الايجابية بشان الاتفاق مع الصندوق لكنها تلاشت تدرجيا.
وبتلاشيها تقذف البلاد الى سلسلة من التفاعلات السلبية، فعدم الاتفاق او استمرار التاخير في الوصول اليه سيكون شرارة تثير ردود فعل عنيفة في السوق المالية ومنها التخلص من السندات التونسية وسحب الودائع وغيرها من التداعيات التي اذا انطلقت ستكون قاصمة موجعة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115