موعد الانتخابات التشريعية وصولا الى الكشف عن نتائج الدور الثاني منها، اذ بينت عملية انتخاب رئيس المجلس ونائبيه عن مشهد مغاير كليا لما روجته كيانات سياسية حزبية كانت ام ائتلافية وكشفت ان اليد العليا في البرلمان الجديد هي لنواب من المنظومة القديمة بعد 2011 او قبلها.
فالكيانات السياسية التي اعلنت عن انتسابها لمسار 25 جويلية والمشروع سواء أكانت حزبية كانت ام ائتلافية سوقت منذ اغلاق صناديق الاقتراع في الدور الثاني عن فوزها وانتصارها السياسي، لكل منها سوقا لنصرها ولعدد مقاعدها بالبرلمان القادم، مما قدم صورة اولية مفادها ان الاجسام السياسية الدائرة في فضاء 25 جويلية ومقولاته الكبرى هي التي ستهيمن على الغرفة التشريعية الاولى وهي من ستحدد خياراتها.
اعتقاد ظل ثابتا في ظل تسويق ائتلافات سياسية او احزاب لفوزها ولبداية مشاوراتها مع بقية مكونات البرلمان من اجل الالتحاق بها، على غرار ائتلاف لينتصر الشعب الذي سوق الى ان كتلته سيتجاوز عددها الـ50 نائبا بعد ان طالب نواب مستقلون بالانضمام اليها، كذلك لدينا حراك 25 جويلية الذي سوق الي ان كتلته ستكون الاكبر بـ100 نائبا والامثلة عدة.
كل هذا انهار يوم الاثنين الفارط ليقف الجميع امام حقيقة مغايرة كليا كشفتها نتائج التصويت في انتخابات رئيس البرلمان ونائبيه في دوريها الاول والثاني، لنكون امام مشهد برلماني في جوهره وظاهره مناقض كليا لما اعلن عنه، لنقف امام حقيقة تركيبة البرلمان التي لم تعكس ابدا انتصار الاحزاب والائتلافات الداعمة لمسار 25 جويلية
. وهنا اعلن عن اول الغيث وهو ان الاحزاب السياسية الداعمة للمسار، كحركة الشعب وتونس الى الامام والتحالف من اجل الجمهورية وحزب الشباب)حراك 25 جويلية(، او الائتلافات الانتخابية على غرار لينتصر الشعب او الشعب يؤسس، قد منيت بهزيمة انتخابية لم تتمكن من تقليص اثارها خلال الفترة الممتدة من الاعلان عن النتائج الى انعقاد الجلسة الاولى باستقطاب عناصر جديدة رغم خطابها الاحتفالي ورفعها لشعارات الانتصار.
واقع تنبأ به تحقيق نشر بموقع "كتيبة" انجزه الزميل وائل الونيفي، وتاكد في جلسة الافتتاح التي كشفت للتونسيين عن هيمنة "المستقلين" على الغرفة التشريعية الاولى، و برز ثقلهم السياسي في الدورين الاول والثاني من انتخابات رئيس المجلس ونائبيه.
هذا الجسم السياسي غير المهيكل وغير المنتظم برز ككيان مؤثر ووازن اكثر من البقية، اللافت فيه هو ان جزءا كبيرا من النواب المستقلين القادمين الى البرلمان الجديد ذوي خلفيات وتجارب حزبية والتي تتقاطع عند نقطة معينة ـ تختزل للتبسيط والاستدلال ـ وهي انتسابهم في وقت ما الى المنظومة القديمة وللدقة انتمائهم بدرجات متفاوتة الى منظومة ما قبل 2011 وعلاقتهم المختلفة بحزب التجمع الدستوري المنحل. اذ اتضح في الجلسة الاولى للبرلمان اننا امام انتصار غير معلن في الانتخابات لمنظومة ما قبل 2011 التي استفادة من القانون الانتخابي افضل من غيرها، ففي ظل غياب احزاب سياسية ذات خزان انتخابي كبير وجدت المرشحون ممن لهم تجارب سياسية او جمعياتية سابقة وشغلوا مناصب او وظائف ذات رمزية مجتمعية اكبر المستفدين من الانتخابات على الافراد في دوائر ضيقة.
استفادة المنظومة القديمة من القانون الانتخابي لم تكن الوحيدة التي برزت امس، بل برزت معه شبكة علاقات معقدة، جهوية وسياسية، ففي التصويت في الدور الاول والثاني سواء لرئيس البرلمان او نائبيه برز ما يمكن اعتباره مؤشرا عن تشكل المستقلين من خلفيات حزبية لكيان برلماني سيكون هو الاكثر فاعلية وتاثيرا في المستقبل. رغم كونه تشكل على نقيض الهدف المعلن من الانتخابات التشريعية وهو انهاء المنظومة القديمة بشقيها، ما قبل 2011 وما بعده. لتكشف ان الانتخابات لا تكسب بمقولات سياسية او اصطفاف بل بما يطلق عليه "مكينة"