الصراع الأمريكي-الصيني: هل يكون الشرق الاوسط ارض المعركة القادمة

لازال العالم مشغولا بالاتفاق السعودي-الإيراني الذي تم برعاية صينية، فمنذ أن أعلن عن البيان الثلاثي- الذي تضمن بنود الاتفاق

الإيراني -السعودي على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما – طغى الحديث عن دور الصين المتنامي في الساحة الدولية وبداية تشكل عالم متعدد الاقطاب.
فالاتفاق الذي أسفرت عنه محادثات استمرت أربعة أيام في العاصمة الصينية بيجين، ليس إلا احدى محطات هذا الصراع الذي يطل مواربة في تصريح جون كيربي المتحدث باسم البيت الأبيض، يوم الجمعة الفارط تعليقا على الاتفاق ، بـ"إنّ السعودية أبقت المسؤولين الأميركيين على اطلاع بالمحادثات مع إيران" وفي تعليق الرئيس الأمريكي جو بايدن اعتبر ان "تحسن علاقات "إسرائيل" والعرب أفضل للجميع".‏ في إشارة الى الاتفاقيات الإبراهيمية التي ترعاها الولايات المتحدة. هذه المحطة الجديدة في الصراع بين القوتين الدوليتين، الصين والولايات المتحدة، نالت نصيبها من الشرح والتحليل ومحاولة تفكيك أبعادها السياسية على منطقة الشرق الأوسط، والنصيب الأوفر كان في وسائل إعلام أمريكية نقلت تعاليق وتقديرات لمسؤولين سابقين في الإدارة الأمريكية تقاطعت عند دور الصين في الاتفاقية واعتباره الجانب الأكثر أهمية.
كما ان هذه الاستنتاجات كانت العناوين الأبرز والأكثر تداولا في مختلف وسائل الإعلام الدولية التي تناولت الحدث من زاوية تنامي دور الصين في منطقة الشرق الأوسط على حساب الولايات المتحدة الأمريكية. وما تعنيه هذه الوساطة من تغييرات مرتقبة في المشهد السياسي الدولي، لا بعنوان التقارب السعودي الإيراني بل بعنوانه الأكبر وهو توسع رقعة الصراع الصيني- الأمريكي. فالصين وبنجاح أوّلي لجهود الوساطة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية عززت الاستنتاج القديم بأنّ النفوذ الأميركي يتآكل في منطقة الشرق الأوسط، خاصة منذ أحداث 11سبتمبر، مستفيدة من ثغرات تضمنتها إستراتيجية الولايات المتحدة في علاقة بالسياسية الخارجية تجسدت بشكل واضح في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي أعلن صراحة أن الصين هي العدو الأول لبلاده.
إعلان فسر التغيير الجوهري في السياسية الخارجية الأمريكية التي قامت على استراتيجية جديدة عنوانها " استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ"، عقبه اندلاع ما عرف باسم "الحرب التجارية" و بداية إعادة التركيز الأمريكي على المحيط الهندي ونقل عدة قطع حربية إليه وعدة خطوات أخرى قطعتها الإدارات الأمريكية منذ 2016 إلى اليوم ويبدو أنها ستتواصل خاصة وان مجلس النواب/الكونغرس جعل من ابرز أولوياته هو احتواء التحدي الإستراتيجي الذي تمثله الصين.
وشكل من اجل ذلك لجنة خاصة عقدت اولى جلساتها في بداية شهر مارس الجاري وأعلن فيها بشكل شبه قاطع عن نهاية سياسة الاحتواء والإدماج. خطوة نظرت إليها الصين على أنها تصعيد غير مفهوم ووصفتها بأنها "عقلية الحرب الباردة للأمريكان"، والقصد هنا ليس تكوين اللجنة وبداية اشغالها بل تقييم لكل الخطوات التي قطعتها الولايات المتحدة في علاقة بالصين ومن أبرزها الدعم الكبير لتايوان وتأيد انفصالها عن الصين. واعتبار ان الهدف الجوهري من " إستراتيجية المحيطين" تطويق الصين وهذا سيفشل.
فالصين بدورها أعلنت خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة عن إستراتيجيتها لإدارة الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية تحت مسميات عدة منها "مبادرة الأمن العالمي " التي أعلن عنها في فيفري الفارط ومنها أيضا الكتاب الأبيض المتعلق بالأساس بسياسة الصين تجاه تايوان. لكن ابرز وجوه الصراع بين الطرفين هي الصراع التكنولوجي الذي ولئن تنوعت محطاته وعناوينه، ولعل ما يظل عالقا في الذاكرة منه هو العقوبات الأمريكية على شركة هواوي لكسر الأسبقية الصينية في شبكات الجيل الخامس والسعي اليوم إلى حظر تطبيق تيك توك وحادثة منطاد التجسس مما قد يخفي عمق الصراع وتشعبه.
وقد شمل الصراع بين الطرفين كل الجوانب والمجالات، السياسي/الدبلوماسي والاقتصادي وتكنولوجي والنقدي، في ظل محاولات الصين كسر الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي مقابل مساعي الأخيرة لكبح جماع الصين للإبقاء على نفوذها الدولي. في ظل هذا التشعب للصراع جاء الاتفاق السعودي الإيراني، الذي لا يمكن ان ينظر إليه بمعزل عن الخطوات التي قطعتها الصين في الشرق الأوسط والنفوذ المتنامي لها بالمنطقة، وهو ردها المباشر والصريح على السياسيات الأمريكية في المحيطين، وإجابة مباشرة على دعم الولايات المتحدة لانفصال تايوان عن الصين.
اي أن الصين وبشكل مباشر تعلن أن سياسة الولايات المتحدة الباحثة عن تطويقها ومحاصرتها باستخدام تايوان، فشلت اذ نقلت الصراع إلى الشرق الأوسط وجعلته متعدد الأوجه، دبلوماسي ونقدي بعد الاتفاق على اعتماد اليوان الصيني في عمليات شراء النفط مع السعودية واليوم رعاية المصالحة السعودية- الإيرانية وبينهما القمة الثنائية والقمة الصينية العربية. صراع تشعباته عدة وتفاصيله بالجملة لم يكن وليد اليوم وإلا العقد الأخير، ذلك ان كلا الطرفين ومنذ 3 عقود على الاقل كان يتهيآن لهذه المواجهة كل بطريقته، واليوم يبدو ان كل الطرق تقاطعت عند نقطة الصدام، ويبدو أننا في طور تشكل جديد للتوازنات الدولية ولخارطة القوى.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115