تجدر الإشارة إلى أنّ الفاعلين الدينيين لا يمثّلون كتلة منسجمة معبّرة عن وحدة الرؤية. فمنهم من عزل نفسه باختياره تعفّفا أو اقتناعا، ومنهم من بقي يحرّك خيوط اللعبة ضدّ «العلمانيين» من وراء الستارة، ومنهم من كان يتحرّك في العلن. كما أنّ منهم العالم الجليل، ومنهم العالم المتعصّب ،ومنهم أشباه العلماء، ومنهم الدعاة ،ومنهم من تطفّل على المعرفة الدينية. ولا مناص من التذكير أيضا أنّ الفاعلين الدينيين لم يكونوا في الغالب ،من المساهمين المتميّزين في مسار التحوّل الديمقراطي يكفي أن نتذكّر صولات وجولات البعض كالشيخ العبيدي الذي سطا على الجمعية الخلدونية وقاد «الميليشيات» وتحدّى القرارات ...ولنا في مثال الأئمة الذين استولوا على المساجد وحوّلوها إلى فضاءات للتكفير دروس وعبر، ومعنى هذا أنّ الأدوار التي اضطلع بها «رجال الدين» لم تكن في الغالب، معبّرة عن تمثّل لواجبات العالم الذي يجب أن يكون في خدمة المجتمع مكرّسا للمنظومة القيمية موجّها الناس إلى ما فيه خير البلاد.
وعلى امتداد هذه السنوات التي تخلّص فيها الفاعلون الدينيون من مشاعر الخوف والاستكانة عاينّا كيف حاول بعضهم ، بمساهمة عدد من الإعلاميين، الانتقال من دائرة التهميش إلى دائرة المركز وكيف سعوا إلى استعادة مواقعهم في الفضاء العام كلّ حسب جهده. وما إن حلّ شهر رمضان وارتفع «منسوب التديّن» لدى التونسيين حتى تهافت «رجال الدين» على البروز . ولكن إلى أي مدى نجح الفاعلون الدينيون في التأثير في الجماهير؟
لا مناص من الإقرار بأن محاولات «التجديد» في الخطاب الديني الإعلامي قد تعدّدت .فقد فارق البعض «اللغة الخشبية» محاولا مزج الفصحى بالدارجة، وارتأى البعض الآخر مخاطبة الناس بلغة مبسّطة. وبينما اختارت فئة ملازمة الأستوديو انقادت فئة أخرى لأوامر «المختصين في الإعلام «فسجّلت المواعظ في «الطبيعة» تحت الأشجار أو في باحة المسجد أو داخله. وحاول عدد من الفاعلين التعامل مع ....