أمّا مبررات التونسيين لما يحدث من وقائع فهي متنوعة: هل حسدنا العالم على ما حققناه من إنجازات وآخرها جائزة نوبل؟ «وَقَديماً كانَ في الناسِ الحَسَد»، هل أصابتنا عين ؟ وفي السنة «استعيذوا بالله من العين، فإن العين حق»...هل هي مؤامرة دبّرت ذات ليل؟ هل هو غضب الرحمان علينا وعلامة من علامات نهاية العالم؟...
ومهما تنوعت المبررات وتعدّدت طرق تفسير ما يجري في الواقع فإنّ هيمنة المسألة السياسية لا يجب أن تحجب عنا ما نعيشه من تحولات في مستوى الإدراك والوعي والفهم والسلوك وتمثل الأشياء والأحداث وما مسألة ردود الأفعال إزاء الأحداث وترتيب الأولويات إلاّ علامتين دالتين على رؤيتنا لذواتنا وللآخرين وتمثلنا للعالم. نسوق هذه الملاحظات بخصوص محاكمة الفرنسي الذي اغتصب أطفالنا ومارس السياحة الجنسية في ربوع بلادنا.فما الذي يجعل الإعلام مهتما بالفعل السياسي والأنشطة السياسية والخطاب السياسي والفاعلين السياسيين وفي المقابل لا يحوّل خبر مقاضاة الفرنسي الذي اغتصب مجموعة من الأطفال التونسيين(41) إلى قضية رأي عام؟ أليس كل شيء يدور في فلك السياسة؟ ألا نجد علاقة متينة بين استباحة سيادة الوطن والتفريط في كرامة التونسيين ؟ ألا توجد وشائج صلة بين استغلال خيرات البلاد واستغلال أجساد الأطفال؟ ألا نجد علاقة بين منظومتنا القضائية وتصورنا للسياسة التي تنظم علاقتنا الدولية ؟
ثمّ ما معيار انتقاء الخبر «المثير» المحقق لأكبر نسب المشاهدة على الفضائيات في التعاطي الإعلامي؟ ما الذي يجعل مواقع التواصل الاجتماعي لا «تشتعل» كما كان يحدث في السابق حين برزت قضايا انتهاك حرمة أجساد الأطفال واستباحة براءة الطفولة؟ ما الذي يجعل
الشخصيات «القدوة» في الفايسبوك والتي كثيرا ما كانت توجه الرأي العام، لا تبالي بما يحدث؟ ما الذي يجعل المجتمع المدني خجولا في تعامله مع هذه القضية متجنبا إحداث «الضجيج»؟ ما الذي جعل نواب الشعب لا يبالون بفئة من التونسيين ضمن الدستور حقوقهم وألزمت الدولة بحمايتهم؟ ما الذي جعلهم يغضون الطرف على تنديد القضاء الفرنسي بعدم تعاون تونس في التحقيقات؟ما الذي يجعل أصحاب العمائم وحراس الفضيلة لا يحركون ساكنا؟ ما الذي يجعل السياسيين يدرجون هذا الحدث في خانة «الشاذ» و«المعزول».؟
تتضاعف حالات الاستهانة بمصير أبنائنا الراشدين والقصّر على حد سواء ولا غرابة في ذلك مادمنا لا نعتبر الطفل جديرا بالاحترام والعناية ...إنّه رقم في الملفات والإحصائيات والسياسات... بلا إسم ولا عنوان ولا كينونة...إنّه صورة و جسد وغنيمة...إنّه قضية تستغل لتصفية الحسابات السياسية أو الأيديولوجية متى شئنا ومجرد حدث عابر متى اقتضى الأمر غضّ الطرف.
تبا لقوم يتنافسون من أجل الزعامة تلهيهم السياسة عن كل ما يجري من حولهم من مصائب... تبّا لإمام يخصص خطبة عصماء لتكفير العلمانيين والتعبئة ضد المثليين ولا يستفزه خبر الاعتداء على الصغار؟ تبا لداعية يغضب من إفطار البعض ولا يحرك ساكنا أمام تعدد حالات استباحة أجساد الولدان...تبا لشعب يبحث عن نسب «أولاد مفيدة» ولا يكترث بهذه المصيبة.