تونس والتغيرات المناخية والتلوّث البيئي: هل يكفي الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية؟

مرّة أخرى، تُثار قضية التلوّث البيئي في صفاقس بالتزامن مع انعقاد قمة المناخ COP27 «كوب 27» فتتضح الفجوة بين الخطاب الرسمي الذي تتبناه الدولة التونسية

وبين ما يجري على أرض الواقع من ممارسات لا تدع مجالا للشك، في مدى عجز المسؤولين عن وضع السياسات الملائمة وإيجاد الحلول الناجعة. وبين السردية الرسمية التي تصاغ حول تونس وتونس التي نعرفها مسافة يدركها أصحاب الألباب.
والمسألة لا ترتبط في تقديرنا، بالمؤامرات والدسائس ومقاومة المواطنين أو«قطاع الطرق» أو أصحاب المصالح الخاصة الذين يعطلون محاولات الإصلاح بل إنّها ذات صلة بغياب الوعي والإرادة السياسية والسياسات الشمولية التي تدمج الجميع في مشروع الوقاية من الآثار المترتبة عن التغييرات المناخية فضلا عن غياب ثقافة التعامل مع البيئة من حيث الحفاظ على الموارد وتجذير الوعي بأهميّة حماية حقّ الأجيال القادمة في بيئة سليمة.

ولذا فإنّ السؤال الذي يتبادر إلى ذهن التونسيين/ات المتابعين لما يجري في قمة شرم الشيخ «COP27» والفارين من التلوّث الثقافي والإعلامي: ما هو موقع تونس والتونسيين ضمن هذه الأنشطة والمبادرات والتصورات والتجارب والجدل؟
ففي الوقت الذي تبرز فيه أجيال من الناشطات /ين في مجال حماية البيئة تربّت على قيم رعاية الأرض كاليافعة الليبية ريفان أحمد، وهي ناشطة صغيرة في دراسات البيئة والتغير المناخي نلاحظ أن لا مرئية للفتيان/ات في بلادنا ولا في المنابر العالمية. وهو أمر متوقّع فنحن لا نحتفي بالمبتكرين والمخترعين وأصحاب التصورات المستقبلية والتفكير و«العقول النيرة» والتجارب الخلاقة لأنّ كلّ هؤلاء لا يثيرون اهتمام الجماهير المولعة بأخبار مريم الدباغ أو بن مولاهم أو الزوجة التي صوّرت زوجها... إلى غير ذلك من الأخبار التي تثبت ما الذي يشغل الناس ويثير الاهتمام. ولا غرابة في ذلك فعندما ينحدر مستوى التعليم في كافة مستوياته، وتغيب التصورات الثقافية لا تسل عن أسباب الافتتان بممارسة التنمر والسخرية والتهكم والولع بتدمير الآخر ونسف مبادراته ومشاريعه.

يبذل الشبّان/ات جهودا جبّارة من أجل إطلاق المبادرات الصديقة للبيئة والمشاريع الصغرى الهادفة إلى الحدّ من التصنيع المدمّر للبيئة والمضرّ بصحة المواطنين ويرغب هؤلاء رغم كل العراقيل، في «الاستقرار في بلادهم» ولكن من يعرفهم؟ من سمع بصابرين الشناوي وغيرها؟ من يعرف عدد الناشطين/ات في مجال حماية البيئة؟ من يميّز بين العدالة المناخية والمساواة البيئية؟ من له دراية بالمعجم الخاص بالتغييرات المناخية؟ ومن هو على اطلاع على التجارب المقارنة في مجال الوقاية والحماية واختراع المواد الصديقة للبيئة ونمط العيش المحافظ على البيئة؟ ومن هم الصحفيون/ات المتخصصون في الصحافة البيئية؟ وما هي الرسائل التي يبعثها هؤلاء الفاعلون الجدد؟ ومن هنّ النسويات المعنيات بتطوير خطاب جديد يظهر التقاطع بين العدالة الاجتماعية والعدالة المناخية، وبين الرأسمالية , والأبوية وهشاشة النساء....؟د وما هي المقاربات المعتمدة في مقاومة الاحتباس الحراري والتلوث وكيف ادمجت مقاربتي النوع الاجتماعي والرعاية في التصدي للتغيرات المناخية؟...

ليست القضايا المطروحة في هذا المجال قضايا «نخبوية» أو قضايا صنف من الناشطين المؤدلجين الذين يقفون بالمرصاد للمشاريع التنموية بدعوى أنّها استغلالية /استعمارية/ امبريالية ... بل هي قضايا سياسية بامتياز تروم تغيير نمط العلاقات بين الدول «العظمى» ودول الجنوب، وبين الأجيال وبين الجنسين، وبين الإنسان ومختلف الكائنات، وبين أصحاب السلطة والمستغلين، وذوي الهشاشة... إنّها قضايا إنسانية ذات صلة بالوعي وتغيير النظرة إلى الكون، وترشيد السلوك والالتزام بأخلاق الرعاية وايطيقا العيش معا على هذه الأرض... إنّها قضايا متصلة بالحقّ في الحياة. ولكن أنّى لمن لم تعلّمه الحياة كيف « يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر ...، ولم يدرك رمزية الأرض ولم يمتلك المعرفة المعمقة أن يكون فاعلا متميّزا في «COP27» وصاحب/ة خطاب يفارق المعهود ويزلزل «الثوابت الديبلوماسية فتشرئب له الأعناق»؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115