ما بعد الاستفتاء: الفرصة الأخيرة للإنقاذ

باتت المتغيرات السياسية في المشهد التونسي ترصد بالثواني والدقائق منذ الـ 25 من جويلية الجاري، لتستمر تداعيات الاستفتاء

والمشاركة فيه وما شاب المسار من عثرات وهي تهيئ البلاد وساحتها السياسية الى مرحلة جديدة كليا.
مرحلة -للأسف- تنبئ بأن الحل لم يعد «تونسيا/تونسيا» ذلك ان التطورات اعلنت عن تعدد عناصر معالجة المعادلة السياسية التونسية فبالإضافة الى العناصر التقليدية الرئيس وخصومه ومن اتخذوا موقف الحياد. باتت القوى الدولية اليوم من العناصر المؤثرة بأشكال عدة في المعادلة السياسية.
معادلة استمرت حولا بأكمله، من 25 جويلية 2021 الى 25 جويلية 2022، سنة الاستثناء التي امسك فيها الرئيس بكل مقاليدها وتحكم في نسق الحياة السياسية ومسار الخروج من الوضع الاستثنائي الى الطبيعي، وهي سنة تمكن فيها رئيس الدولة من تجنب مواقف حادة قد تعثر مساره او تواجهه بشكل مباشر داخليا او خارجيا لاعتبار اساسي يتمثل في استنتاج يقول ان المسار السياسي لرئيس الدولة يحظى بدعم شعبي واسع.
ففي سنة الاستثناء كان الرئيس اللاعب الوحيد في الساحة لنجاحه في خلق صورة مفادها انه يحظى بدعم شعبي واسع والصورة تعززت بعجز المعارضة عن حشد الشارع خلفها في صراعها مع الرئيس منذ سبتمبر 2021 واستمر الحال كما هو عليه طوال سنة كان فيها الرئيس هو المهين على المشهد الى ان خضع الجميع لتقييم صندوق الاقتراع.
هنا اتضحت اوزان كل القوى السياسية بشكل واضح وصريح، لتقدم لنا خارطة سياسية مختلفة كليا عما علق بالاذهان خلال سنة الاستثناء والصورة الجديدة تقول بان ثقل الرئيس الشعبي يمثل ربع الجسم الانتخابي لا غير وان خصومه يحظون بدورهم بثقل شعبي مقارب له.
بتغير عناصر المعادلة والكشف عن الاوزان والأحجام الانتخابية تتغير القراءات والاستنتاجات كذلك يتغير اللاعبون المؤثرون في المشهد التونسي، ليفتح الباب -للأسف- للتدخل الاجنبي في الشان التونسي بشكل اكثر وضوحا واقرب الى الضغط المباشر لدفع السلطات وهي هنا الرئيس الى الذهاب لخيارات غير التي يمضى اليها.
لفهم الامر وجب ان نعود الى تطور المواقف السياسية للقوى الدولية، الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي وبريطانيا، لفهم التطور الجديد، ففي سنة الاستثناء تجنب هذه القوي القول صراحة بانها ستمارس ضغطا صريحا وقوي على رئيس الجمهورية لاقناعه بخيارات سياسية مختلفة عن ما يتجه اليه وبالاساس في علاقة بنظام الحكم وارساء البناء القاعدي واحتكار السلطة.
فطوال السنة كانت البيانات والتصريحات الصادرة عن ادارة هذه الدول حريصة على ان تبرز موقفين، الاول احترامها للإرادة الشعبية ولخيارات التونسيين ومطالبتها للرئيس بان يكون اكثر انفتاحا على محيطه السياسي دون ضغط صريح لدفعه في اتجاه معين.
هذا الموقف مرده ان القوي الدولية كانت تتجنب ان تبرز كمن يعادي ارادة الشعوب وخياراتها، وطالما ان الانطباع السياسي الغالب في تلك الفترة ان الرئيس ومساره السياسي يحظيان بدعم شعبي واسع فان معارضة هذا المسار او الضغط لتعديله او تغيره ستكون نتائجه عكسية لذا اختارت القوى الدولية ان تراقب الامر وتنتظر الاستفتاء لمعرفة الاوزان الحقيقة لكل القوى.
اليوم وبعد اتضاح الصورة سارعت هذه القوى إلى أن تعدل من موقفها وتعلن عن مخاوفها من الانحرافات ومن تأكل مقومات الديمقراطية التونسية ومن نهج الرئيس الاحادي في ادارة المرحلة الانتقالية ومسار العودة الى المؤسسات وتعلن انها باتت معنية بدعم التجربة الديمقراطية التونسية بشكل مباشر وصريح، لتقوم بالربط بين اعلان دعم الديمقراطية في تونس وتطلعات الشعب التونسي بنسبة المشاركة في الاستفتاء المنخفضة.
موقف عبرت عنه الادارة الامريكية في مناسبات ثلاث انتهت ببيان سفارة الولايات المتحدة بتونس، وانطلقت بتصريح جوي هو JoeyR. Hood المرشح لمنصب سفير الولايات المتحدة الامريكية بتونس امام لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس حينما قال صراحة انه سيستعمل كل ادوات النفوذ الامريكي للدعوة الى العودة لحكم ديمقراطي وأشار الى انه سيحث قادة تونس على اعادة تشكيل حكومة ديمقراطية.
لاحقا بات الموقف رسميا ببيان وزارة الخارجية الامريكية وتدوينات الوزير أنتوني بلينكن بشان الاستفتاء والتي تقوم بدورها على اعتبار ان ضعف نسبة المشاركة في الاستفتاء يسحب من الرئيس ورقة تمثيل الارادة الشعبية وعليه فان الولايات المتحدة يمكنها ان تضغط اكثر وبشكل مباشر عليه لتعديل سياسته.
هذا ما يعلن من مواقف ولو بلغة دبلوماسية تتجنب اثارة صراعات او ازمة مع الدولة التونسية، ولكن الموقف عبر عنه بشكل واضح وهو محل التقاء بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وبريطانيا، وهو الربط بين الدعم المالي والاقتصادي والعسكري والفني وبقية أشكال الدعم في كل المجالات باستجابة السلطات التونسية لمطالب هذه القوى. والمطالب هي أن يضع الرئيس نهاية لمساره السياسي والانطلاق في مسار مختلف مع باقي الفاعلين في المشهد التونسي من منظمات مجتمع مدني او قوى حزبية وسياسية. أو على الاقل ان لا يستمر الرئيس في نهجه الاحادي في بقية المراحل المتبقية. القانون الانتخابي والانتخابات التشريعية.
هنا يقدم الامر كتحذير مبطن بان البلاد ستترك بمفردها في ازماتها المركبة ان لم تستجب السلطة السياسية الى توصيات الدول المانحة ومطالبها. وهنا وللأسف فقدت البلاد قدرتها على ان تعالج ازماتها داخليا وان تكون حلولها تونسية- تونسية. بل بلغت مرحلة يكون فيها امن التونسيين مهددا اذ قد يجدون انفسهم مخيرين بين القبول بتدخل اجنبي ولو بأشكال ناعمة او الذهاب الى انهيار الدولة وإفلاسها.
خيارات كان من الممكن تجنبها لو لم تهدر الاسابيع والأشهر في معارك سياسية خاطئة لا تتناغم مع اولويات البلاد واستحقاقاتها وكل الامل اليوم ان لا يقع اهدار كل هوامش الحركة والمناورة بما يسمح بان يكون الحل تونسيا-تونسيا قبل ان تفرض خيارات على البلاد واهلها من خلف البحار.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115