إلى أين نمضى في ظل انقسام التونسيين؟

يبدو أننا لم نكن في حاجة الى الانتظار لمعرفة ما يعده الفاعلون الكبار في المشهد السياسي التونسي من تصورات وخطط لإدارة

مرحلة ما بعد 25 جويلية 2022 إذ لم تكد تمر ساعتان عن إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن نسب المشاركة في الاستفتاء التي كانت 27،54 ٪ حتى انطلق كل طرف في محاولة رسم ملامح ما بعد الاستفتاء بما يحقق له اكبر كسب سياسي.
ففي الساعات الاولى لصباح 25 جويلية يوم الاستفتاء كان الانطباع الذي بحث أنصار الرئس ومشروعه على ان يرسخوه ان رقم المشاركة سيكون كبيرا وان الدعوة الى مقاطعة الاستفتاء ومساره قد فشلت ودليلهم على ذلك «ملايين» النخابيين الذين توافدوا على الصناديق.
انطباع هيمن في النصف الاول من يوم الاقتراع ولكنه لم يكن الغالب إذ أن جزءا واسعا من معارضي مسار الرئيس ومشروعه استشعروا في الساعات الاخيرة ليوم الاقتراع ان طوق النجاة ألقي اليهم والطوق ليس ضعف نسبة المشاركة التي تعد الاضعف في كل المحطات الانتخابية التي شهدتها تونس منذ 2011، بل في بروز كتلة واضحة المعالم للمقاطعين والتي قدّرتها عمليات سبر الاراء بـ21 ٪.
أي اننا اليوم امام توازنات سياسية جديدة قدمت صورة تفيد بأن البلاد مصطفة صفيين متقاربين في الثقل وفي نقاط الضعف، فالصف الاول المتمثل في صف المساندين للرئيس ومشروعه يمثل حوالي 21 ٪ من الجسم الانتخابي التونسي وهو بدوره صف غير متجانس او موحد ولا تجمعه مقولات واحدة بل جمعته متناقضات وشخصية الرئيس كذلك الصف المعارض له والذي يعبر عن نفسه اليوم بكتلة المقاطعين الناشطين الذين يمثلون تيارات سياسية متناقضة ومتنافرة ولكن يجمعهم مشترك واحد وهو رفض مشروع الرئيس.
وهذا ما يبدو ان الاطراف ادركته فسارعت الى ان تحقق مكاسب اما باعلان انتصار الارادة الشعبية وتحديد باقي خطوات القادمة وهو ما فعله الرئيس قيس سيعد الذي حل موكبه بشارع الحبيب بروقيبة ليحتفل مع انصاره ويعلمهم ان المرحلة القادمة ستكون للمحاسبة ولقانون الانتخابات، وهي خطوة جاءت بعد صدور بيان لجبهة الخلاص تطالب فيه الرئيس بالاستقالة للذهاب الى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة بعد ان فشل استفتاؤه، والفشل هنا يتجسد بالنسبة لجبهة الخلاص وكيانات سياسية اخرى في ضعف نسبة المشاركة التي كانت دون 30 ٪.
نسبة ضعيفة اعتبرت الجبهة انها دليل على ان مسار الرئيس السياسي منذ 25 جويلية ليس محل قبول او اجماع تونسي واسع وعليه لا يمكن الاستمرار فيه بصيغه الحالية ولابد من الذهاب الى خيارات اخرى، وهو ما اراد الرئيس ان يغلق عليه الباب بالاحتفال بنصره مع الانصار وتقديم صورة المنتصر والمعبر عن الارادة الشعبية الواسعة والحقيقية.
هذه الصورة الجديدة التي بات عليها المشهد التونسي، منقسم الى كيانين كبيرين احدهما داعم للمسار السياسي للرئيس لاسباب عدة والاخر رافض له لاسبابه الخاصة وكلاهما متقاربان، مما يعنى اننا امام فرضيات عدة تتعلق بكيفية ادارة بقية المرحلة في ظل توفر عناصر جديدة بيد معارضي سيعد وهم لن يتوانوا عن استغلالها لوضع حد للمسار.
أي اننا اليوم وبعد 25 جويلية 2022 عدنا الى مربعات قديمة تختلط فيها الاوراق وتتعدد فيها عوامل الحسم، داخليا وخارجيا موضوعيا وذاتيا، ولكن هذا لا يبدو انه كاف اليوم لفرض واقع او مسار جديد عن المسار الذي اعلنه الرئيس في 13 ديسمبر الفارط، بل هو فاتحة لمرحلة جديدة ستخدم فيها المواجهة بين الرئيس وخصومه.
مواجهة يبدو انها ستنطلق مع فتح باب الطعون في النتائج وفي الاستفتاء ذاته ولكنها قد تبلغ ذروتها مع دخول الخريف وبداية ادراك عمق الازمة الاقتصادية والمالية

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115