في علاقة باحكام الاستفتاء وبدعوة الناخبين وبتحديد تركيبة لجان الهيئة الاستشارية.
خيار المرور بقوة وفرض الامر الواقع على الجميع وعدم البحث عن توافق او تنقية المناخ هو ما ينتهجه الرئيس من سياسات منذ 25 جويلية وما قبلها في ظل قراءة وتقييم للوضع يستبطنه الرئيس يقوم على انه في «مهمة ثورية» وعليه ان يؤدي رسالته وهي «اسقاط النظام والمنظومة» واحلال اخرى عوضا عنهما، تتناقض معها شكلا ومضمونا وهدفا.
فالرئيس الذي يتبنى مقولات البناء الجديد والجمهورية الجديدة من منطلق منح السلطة للشعب لتقرير مصيره بعد افتكاكها من النخب والأجسام الوسطية لايزال عند هذا المستوى من الفهم والفعل السياسي لم يتغير عنه قيد أنملة. فهو يعتبر الفعل السياسي فعلا شعبيا جوهره رسم الخيارات والسياسات العامة ويترك للنخبة مهمة تنزيل هذه الخيارات وتنفيذها باعتبارها جهازا اداريا وتنفيذيا لا غير.
بهذا الفهم الذي يسحب من النخبة اي «صلاحية» او قدرة على الفعل السياسي صدرت اول امس في ساعة متأخرة النصوص القانونية التالية، المرسوم عدد 32 المتألق باحكام الاستفتاء في 25 جويلية 2022، والاوامر الرئاسية عدد 505 المتعلقة بضبط تركيبة اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية واللجنة الاستشارية القانونية، والامر الرئاسي عدد 506 المتعلق بدعوة الناخبين الى المشاركة في الاستفتاء والاجابة بنعم او لا على الدستور الجديد.
اي بعبارات أشد وضوحا ودقة الرئيس لم يترك امام حلفائه او خصومه غير التصويت بنعم او لا على الدستور الجديد، وحال بينهم وبين مناقشة الدستور او المساهمة في صياغته في اطار حوار شامل وعام وهو ما كانت تطالب به كيانات سياسية ومنظمات أعلنت ولازالت تعلن دعمها لخطوة 25 جويلية وتفعيل الرئيس للفصل 80 من الدستور.
خطوة لها استتباعات عدة منها تعزيز القطيعة بين الرئاسة واتحاد الشغل الذي ادرج اسم امينه العام نور الدين الطبوبي في قائمة اعضاء لجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية رغم اعلان منظمته بشكل صريح انها ترفض المشاركة ولكنها وجدت نفسها في الامر الرئاسي مما دفع بسامي الطاهري الى تقديم تصريح اعلامي يعلن فيه ان ما قامت به الرئاسة هو اهانة للاتحاد.
الاهانة هنا وان لم يعلن الطاهري عن كنهها فهي ليست في ادارج الاسم فقط بل في التلاعب الذي تم خلال الساعات الفارطة من توجيه تلميحات عبر قنوات عدة بان الرئاسة قد تراجع بعض نقائص المرسوم عدد 30 وتعيد صياغة حوار وطني يجد فيه الاتحاد مراده وضالته مقابل مشاركته في الحوار.
بهكذا خيار سيكون الاتحاد امام حتمية البحث عن رد اعتباره ومكانته مما سيؤدي الى ان يتصاعد الموقف تدريجيا ضد الرئاسة، وهنا يجد الاتحاد اكثر من ساحة وغى امامه لإدارة معاركه مع الرئاسة، المفاوضات الاجتماعية خطة الاصلاحات الكبرى ولكن والاهم «الاستفتاء» على الدستور الذي مهد الرئيس كل ظروف رفضه من قبل تيارات سياسية ومنظمات اجتماعية وجمعيات تعمد اقصاءها وتهميش دورها طوال الاشهر العشرة الفارطة.
هذا الدستور الذي سيعرض للتونسيين ابتداء من 30 جوان قبل ان يدلوا بأصواتهم، نعم او لا في 25 جويلية القادم ، سيكون هدف فصيلين، معارضي الرئيس بتنوع مشاربهم وداعميه الذين لم يلقوا غير الابعاد والاقصاء من قبل الرئيس الذي اتضح بشكل صريح ان فكره يقوم على الغاء دور الاجسام الوسطية ايا كان تموقعها منه او من سياساته.
هنا سيجد الجميع أنفسهم منذ الان مطالبين بتحديد موقفهم من الدستور القادم، هل سيدعمونه وان كانوا يعترضون على مسار اعداده وكل الخطوات الممهدة له، اي هل سيتبنونه ويدعون الى التصويت بنعم عليه في الاستفتاء او سينتظرون الى حين اتمام صياغته من قبل لجنة قانونية تتالت بيانات الرافضين للمشاركة فيها قبل ان يحددوا موقفهم وبالنسبة للمعارضين للرئيس ولخياره فهم معارضون لهذا التمشي ولمخرجاته ولن ينتظروا طويلا لإنطلاق في الاعلان عن رفضه.
تحديدا لموقف من مشروع دستور 2022 الذي يقدمه الرئيس ولجنته القانونية هو خطوة اولى في انتظار اتضاح الرزنامة الانتخابية وتحديدا اتضاح صورة الحملة، وان كانت ستلتزم بقواعد العملية الديمقراطية بفتح الباب امام حملات الداعمين والرافضين على قدم المساواة ام سيقع التضييق على الحملة وعدم السماح لجهة تعارض الدستور من النشاط الرسمي في المقابل تسخير اجهزة الدولة وامكانياتها في اطار حملة التشجيع على التصويت بنعم للدستور باعتبار ان هذا المشروع هو مشروع «الدولة» وفق ما يقدم اليوم من قراءات وتبريرات قانونية وسياسية لكل الخيارات المتخذة من قبل الرئيس قيس سعيد.
هذا الوضع ينتقل بالبلاد والتونسيين من صراع وخلافات مجزأة مشتتة الى صراع واضح وصريح فيه طرفان من يدافعون عن «نعم» ومن يعلنون الرفض بـ«لا» ان تعلق الامر بمسودة الدستور المزمع عرضها على الاستفتاء، وهذا يعنى ان الخارطة ستشهد اعادة تشكل دون حاجة الى التحالف او العمل المشترك بين فصائل المعارضة المتنازعة.
معارضة ستجد نفسها موحدة بشكل غير مباشر لقيادة عملية «اسقاط الدستور» عبر التصويت بـ«لا» عليه في 25 جويلية ومع سقوطه تامل ان يسقط كامل مسار الرئيس السياسي، الذي ان سقط فانه سيسقط بنار سعيد تحديدا الذي اطلق النار على قدمه حينما رفض ان يوسع مجال المشاركة ويبحث عن توافق واتفاق وطني واسع للخروج من الوضع الاستثنائي الى الطبيعي.
اليوم المعارك بين الرئيس وبين داعميه وخصومه على حد سواء باتت اكثر وضوحا وهو معركة تمرير الدستور او اسقاطه، وهنا تصبح العملية بسيطة .