من ذلك التطورات التي عاشت على وقعها البلاد منذ ان اعلن الرئيس عن نيته تشكيل لجان تشرف على ادارة الحوار.
إعلان صدر منذ اسبوع تقريبا رسم فيه الرئيس الاطر الاولية لاجراء هذا الحوار وحدد هوية من لن يجلس على طاولته بشكل غير مباشر، واختار على ما يبدو رفقة انصاره ومستشاريه غير الرسميين ان يؤجل الانطلاق فيه الى حين تحقيق ما ظن انه شرط موضوعي.
وهذا الشرط يتمثل في ان الحوار والشاكلة التي اختارها له الرئيس ليس مجرد موقف خاص او فردي بل هو استجابة للإرادة الشعبية ولمطالب التونسيين، وهذا ما يحيل الى التظاهرة التي نظمها انصار الرئيس يوم الاحد الفارط في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة وببعض المدن التونسية.
تظاهرة رفعت فيه شعارات المحاسبة وحل احزاب بعينها، وغيرها من الشعارات التي يراد لها ان ترسم ملامح الحوار الوطني ومخرجاته باسم الارادة الشعبية ولكن حسابات الحقل اسقطتها وقائع البيادر، فالمسيرة المساندة التي اريد لها ان تحقق غرضا وحيدا وهو تحصين خيارات الرئيس ومشروعه بـ«مشروعية» شعبية كان الرهان على ان تكون جارفة.
لكن تعثر الرهان نتيجة ضعف نسبة المشاركة في المسيرات المساندة، اسقط من يد الرئيس وأنصاره باقي اوراق الضغط الكبيرة وهي الحديث باسم «الشعب يريد». وهو ما يعني ان الرئاسة لن يكون بمقدورها ان تفرض على المنظمات والجمعيات والأحزاب المنتظر ان تشارك في الحوار الوطني مخرجات سبق لها وان سوقتها. بعد ان فقدت ورقة تمثيل الارادة الشعبية وبات عليها ان تبحث عن توافق مع القوى السياسية والاجتماعية لضمان نجاح مسارها برمته لا فقط الحوار الوطني.
فالرئيس وانصاره تكبدوا تعثرين، الاول كان الاستشارة الالكترونية والثاني هو مسيرات الدعم، ففي المحطتين اللتين كان يراهن على ان توفرا غطاء شعبيا لسياسات الرئيس، كانت الارقام مخيبة وتكشف عن ان جزءا واسعا من الشارع التونسي له اولوية مغايرة كليا لاولويات الفاعلين في المشهد، سواء من يمسك بالسلطة او من يعارضها.
واقع يجعل الرئاسة اليوم امام حتميات عدة، فهي وان كانت تنشغل باستكمال ما تعتبره «ثورة دستورية وقانونية» يراد منها ان تعيد بناء الدولة وان تعيد صياغة العلاقات الجامعة بين الدولة والمواطنين وفق منظومة دستورية وقانونية وسياسية جديدة تمنح السلطة للشعب وليس لطبقة سياسية تعيد تشكيل وتوزيع السلطة والامتيازات والثروة بينها.
هذا ظن الرئاسة ولكن هذه الثورة التي تؤمن بضرورتها تواجه اليوم عقبتها الاشد وهي انشغال التونسيين عنها وانصرافهم عن الدعم المباشر لها، وهذا ما قدمته ارقام المشاركين في الاستشارة وفي المسيرات الداعمة رغم كل الحشد والتعبئة للحدثين.
وهنا يتضح جليا ان الحوار الوطني القادم ان اريد له ان يثمر مخرجات تحصن 25 جويلية وتؤمن استكمال باقي الاستحقاقات السياسية والانتخابية القادمة فان الرئاسة مطالبة بان تعيد حساباتها في علاقة بشروطها الموضوعة. خاصة وأنها فرضت جملة من الشروط المسبقة على الحوار والمتحاورين انتهت الى ان تسوق لحوار شكلاني مفرغ يحقق وظيفة وحيدة وهي تمرير الخيارات السياسية للرئيس على انها خيارات توافقية.
اليوم وبعد تعثر جديد يبدو ان ما تبقى للرئاسة هو ان تستجيب لطلب المنظمات الاربع التي اكد ابراهيم بودربالة عميد الحامين ان الرئيس اشار له في لقائهما خلال الاسبوع الفارط الى ان المنظمات هي احدى الثوابت في الحوار، أي أن هذا الحوار يقوم على مشاركة المنظمات الراعية للحوار الوطني في 2013 وأيضا يقوم على ابعاد كل من يعارض 25 جويلية.
منظمات يقول عميد المحامين انها لن تقبل بمشاركة في حوار شكلي، وهذا ما قاله من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل في مناسبات عدة بين فيها انه لا يقبل بان تكون مساهمته شكلية ومشروطة. وانه لا يشارك في حوار غير جدي. مما يترك الكرة في ملعب الرئاسة لتحديد مصير مسارها السياسي وضمان نجاحه.
واهم ضمانات هذا النجاح هو ان تشارك المنظمات في حوار يفرز مخرجات محل توافق واسع، وهو ما طالبت به القوى الدولية والمؤسسات الاممية والمانحون والمقرضون الرئاسة بعد تفعيل التدابير الاستثنائية واشترطت بشكل صريح ان يكون «مسار الخروج من الاستثناء الى الطبيعي» محل توافق وطني واسع.
مسيرات 8 ماي والحوار الوطني المرتقب: التوافق مع المنظمات بديلا لـ«الشعب يريد»
- بقلم حسان العيادي
- 11:51 10/05/2022
- 1343 عدد المشاهدات
بات الحوار الوطني الموعود هو محرك الفعل السياسي في تونس ومحدد نسقه ونسق تحركات كل الفاعلين واللاعبين في المشهد .