والجهل ويستغربون كيف غدا المجرمون والإرهابيون في موقع الصدارة في حين تمّ تغييب أصحاب المبادرات الهامة التي تعكس قصص النجاح وتساهم في إنقاذ عدد من الشبان من الارتماء في أحضان مروجي المخدرات أو شبكات تسفير الشباب إلى بلدان النزاع ...
تصغي إلى تحليل الشباب للوضع الثقافي وانتقاداتهم للسياسات المعتمدة فلا ترى عنفا لفظيا ولا اتهاما بالفساد غاية ما هناك التذمر من حالة عدم الاعتراف والإقرار بأنّ ما تقدمه الحكومات المتعاقبة من خدمات لا يستجيب لحاجات الشباب وتطلعاتهم ولا يمثل الثقافة التي يريدون الترويج لها ولا يعبر عن طموحات هذا الجيل. ..وبناء على ذلك تتسع الفجوة يوما بعد آخر بين مختلف الأجيال من جهة، وبين الشباب وأصحاب القرار، من جهة أخرى.
وتتساءل :ماذا لو حضر المسؤولون في الوزارات المعنية والإعلاميون وبعض نواب الشعب وغيرهم من الذين يحتكرون النطق نيابة عن الشباب الحدث الذي نظم بتاريخ 29 - 5 - 2016 «underground Bill» للاحتفاء بفن الشوارع و»ثقافة الأنفاق»...ماذا لو عاينوا قدرة الشباب على الابتكار و صناعة المشاريع البديلة ومهارة التنظيم ...ماذا لو رأوا الانضباط لأوامر المنظمين واحترام القواعد ..ماذا لو علموا أنّ الشبان شدوا الرحال من مختلف الولايات لحضور الحدث...ماذا لو استمعوا إلى سرديات النجاح ...ماذا لو فهموا دلالات كلمات الراب والهيب هوب، والرسائل التي يتضمنها الغارافيتي... ماذا لو فككوا الشفرات وفهموا أشكال التعبير الجديدة وثقافة المقاومة....
إنّ جهل ‘مهندسي السياسات’ بالثقافات الفرعية والمهمشة التي تستهوي الشبان وعدم اكتراثهم بالإنجازات والابتكارات وعدم رغبتهم في فهم التحولات الطارئة على الأنساق الثقافية يؤكد أنّ القطيعة قد حدثت بين أهل السياسة والشبان ويقيم الدليل على فشل أصحاب القرار في إقناع الشباب بأنّ الحكومة تعمل من أجل تحسين أوضاعهم وأنّها تصوغ السياسات وفق مبدأ التشاركية.
يدرك الشبان أنّ الإشارة إليهم في الخطاب السياسي ليست إلاّ شكلا من أشكال التوظيف فيقاطعون النشاط السياسي ويعزفون عن المشاركة في الانتخابات ويعبّرون عن ذواتهم وتصوراتهم بلغة مختلفة.... يعلم الشبان أنّ أصحاب القرار لا صلة لهم بما يجدّ في عالم الثقافة من تغييرات ولا يفقهون شيئا في معجم المصطلحات الجديدة ولا ينتبهون إلى الحراك الداخلي والعالمي فيعوّلون على أنفسهم لتحقيق الإشباع الثقافي فلا يطرقون أبواب أرباب المال ولا يتمسحون على أبواب الإذاعات والتلفزات التي لا تراهن على الثقافة.
يؤمن الشبان بأنّ الوطن بحاجة إليهم فيبدعون... يدرك هؤلاء خطورة التفكير في الانتحار وتبعات الانحراف والوقوع في أيادي تجار الدين والأفيون والسلاح والرقيق فيحذرون الأصدقاء وينهضون بالدور التوعوي بكل حماس آملين أن ينقذوا أترابهم من العدمية واليأس والإحباط. وبالرغم من كل هذه الجهود فإنّهم لا يتمتعون بالمرئية المطلوبة ولا يبالي الإعلاميون ولا الدارسون بأعمالهم...
يقاوم الشبان النسيان والعمى ويواجهون ‘الحقرة’ والتهميش مثلهم مثل فئات شبابية أخرى تعيش على هامش المركز...تعوزهم الإمكانيات المادية فيعولون على الإمكانيات البدنية والمعنوية وعلى التشبيك والمناصرة والتضامن ويندفعون ...ينحتون في الصخر ويبتكرون متحدّين عقبات تفرضها المؤسسات والبيروقراطية وتقاليد العمل الثقافي وهيمنة أصحاب الولاءات ...لا يحتجون ولا يصرخون ولا يقطعون الطرقات ولا يعتكفون في الممرات ...يطالبون بحقهم في التعبير عن ذواتهم وامتلاك الشوارع من خلال الإبداع... يواجهون الثقافة المهيمنة وثقافة الاستهلاك وما تفرزه من رداءة وانحطاط وصور نمطية بالإبداع...
مخطئ من اعتبر أنّ جيل الشعر المسدول والسروال ‘الطايح’ المهووس بالهيب هوب والراب والبريك دانس... منعزل عن قضايا المجتمع ومشاغل الوطن إن هي إلا ترسانة من الصور النمطية تحجب عنا الواقع...
مخجل أن نحتكر النطق نيابة عن الشبان وأن نسترسل في وضع البرامج والتصورات دون مد جسور التعارف وتعلم فن الإصغاء إلى لغة الشباب وهمومهم وخطابهم ومخاوفهم وأحلامهم.