وتصوراته لحلول ازمة الحكم في تونس، لكن هل ان الاقتراع على الأفراد هو الحل الامثل لتونس ام انه «تجربة» اخرى ترسخ الخطيئة الكبرى في السياسية التونسية وهي الاعتقاد بان حل اية ازمة يكمن تغير نص قانوني ضمن تصور يقوم على ان النص بمفرده يشكل المشهد اذ يبدو جليا ان العقل السياسي لاي فاعل في تونس. ايا كان اسمه او موقعه. يستبطن تصورات بديهة وقواعد جاهزة للتعاطي والتعامل مع اي ملف او اشكالية بل وأية ازمة تعترضه. من بينها ان تغير نظام الاقتراع في تونس من الاقتراع على القائمات الى الاقتراع على الافراد كفيل بان يقود البلاد الى مشهد مناقض لما كان عليه الامر منذ 2012 الى انتخابات 2019.
لتجاوز الازمات السياسية والبرلمانية وأزمة الحكم اساسا التي عاشتها تونس في السنوات العشر السابقة والاستنتاجات المتعلقة بالاسباب الرئيسية للفشل . قدم «نظام الاقتراع» كشماعة لكل الأخطاء وسوء التقدير والفشل في ادارة الملفات او تحديد الاولويات وعليه بات واجبا تغييره كليا والذهاب الى نظام مختلف ومتمايز.
هنا يقدم نظام الاقتراع على الافراد كخيار أنسب والحال ان الساحة السياسية عاشت في 2011 نقاشا مشابها لما تعيشه اليوم، اي نظام اقتراع هو انسب؟ وانتهت فيه النقاشات الى الصعوبة الفنية والتقنية في اعتماد هذا النظام. مقابل قلة قليلة دافعت عن طريقة الاقتراع على الافراد في 2011، من بينها الرئيس.
نقاش انتهى في 2011 واعتمدت حينها طريقة اقتراع على القائمات مع افضل البقايا، وبقية القصة يعلمها جل التونسيين وما الت اليه الاوضاع في ظل تشتت للكتل البرلمانية واستحالة بروز اغلبية يمكنها ان تقود البلاد كل هذا تقاطع مع طبقة سياسية لا تحسن قراءة المشهد او رسم الاولويات واختيار ما هو انسب لتونس لا اختيار ما يتماشى مع مصالحها الحزبية.
كل هذا بات من الماضي القريب بعد 25 جويلية، واليوم ومع تمكن الرئيس من قدرات وصلاحيات واسعة لتنزيل تصوراته اختار ان يتبع نهجه الذي يعكسه منطوق كلامه. وهو ان كل ازمة في تونس حلها يكمن في النص، وهذا ما سوقه في حملته الانتخابية وما اعتمده في معالجة كل ازمة مرت بها البلاد منذ 25 جويلية.
بذات المقاربة والمنهجية قدم الرئيس تصوره عن نظام الاقتراع الانسب ضمن مشروع “البناء الجديد” الباحث عن اسقاط المنظومة الدستورية والنظام السياسي والإداري الذي جاء به دستور 2014، ولمنع تكرار الاخطاء التي عاشتها تونس في العشرية الفارطة قدم الاقتراع على الافراد كضمانة لمنع الفساد والتلاعب بأصوات الناس في الانتخابات او انحراف النواب بعدها وتنصلهم من تعهداتهم ووعودهم.
هذا التصور الباحث في مخرجاته ونتائجه عن الانتقال بالبرلمان من سلطة موغلة في المركزية، إلى برلمان شعبي ينبع من الشعب ويشتغل لفائدته يصطدم بعوائق عديدة، منها التقني وكيفية تقسيم الدوائر الانتخابية الجديدة دون هدم مبدإ اساسي وهو «مساواة المواطنين» الذي سينسف باعتماد المعتمديات كدوائر انتخابية ستفرز برلمانا فيه نائب يمثل عشرات الالاف من التونسيين ونائب يمثل المئات.
اضافة الى ان خصائص المجتمع التونسي ستكون عقبة اخرى، فالمجتمع التونسي تهيمن عليه النزعة الذكورية وهذا سيحول دون تمثيل المرأة اضافة ان القبلية والعشائرية لازالت قائمة ورئيس الدولة نفسه تدخل في 2020 لحل خلاف قبلي في الجنوب التونسي على قطعة ارض اسفر عن احداث نتج عنها 60 جريحا.
دون اغفال حقيقة ان اكبر مستفيد من نظام الاقتراع على الافراد هم من يتمتعون بواجهات اجتماعية وجهوية وعائلة وعشائرية اضافة الى التمتع بثروة تسمح لهم بالتاثير في الناخبين، وهذا يناقض هدف الرئيس او من يدافع عن الاقتراع على الافراد المتمثل في تنقية المشهد السياسي من الفساد.
اليوم وطالما ان النقاش العام اثير بشأن اي نظام اقتراع سيكون الانسب في تونس وجب التنويه الى ان اي نظام ومهما كان مثاليا لن يعالج الازمات في تونس، وان الأزمات بشكل عام لا تعالجها نصوص قانونية لا تتلاءم مع حقائق الارض وتقفز على واقع المجتمع التونسي. وهنا لا تكفي النوايا الطبية بل المطلوب هو الواقعية في عملية التغيير .