أزمة متفاقمة وخطوات رئاسية محتشمة: تونس تسارع الزمن

لاشك أن ظروف حياة جلّ التونسيين صعبة ،كما لم تكن سهلة لا اليوم ولا بالأمس القريب أو البعيد ولا تتأتى الصعوبة فقط من تراجع القدرة الشرائية

فقط أو من هذه الطوابير لشراء الخبز في شهر رمضان بل من المناخات النفسية المحيطة بحياتنا اليومية والتي تجعل من منسوب الثقة في المستقبل يتضاءل على مرّ الأيام ..
إذا نظرنا إلى الوضع العام في البلاد نرى بونا شاسعا بين ما ينبغي أن يحصل في كل المجالات – نتحدث هنا عن الممكن والذي هو في متناولنا بكل وضوح – وماهو حاصل بالفعل فنحن بصدد إهدار كل فرصة تتاح للبلاد ولا نريد دخول الإصلاح من أبوابه الرئيسية والدائمة،ونمنّي النفس بالإصلاح دون رؤية واضحة ودون عزيمة قوية ودون عمل دؤوب ومتواصل ..
في الأثناء يواصل رئيس الدولة احتكار كل السلطات ويمضي قدما في مشروعه الهلامي القائم على البناء القاعدي سياسيا والشركات الأهلية اجتماعيا والصلح الجزائي اقتصاديا والرافض لكل حوار جدي أي لكل إمكانية تراجع أو تعديل أو تنازل ..
بعد حلّ البرلمان واقتراب موعد الاستفتاء،أقدم رئيس الدولة منذ بداية هذا الأسبوع على خطوة جديدة مفادها فتح جزئي لباب الحوار مع المنظمات الوطنية في الحدود التي رسمتها «الاستشارة الوطنية»..
قد تبدو هذه الخطوة المحتشمة جسورة خاصة عندما نقارنها بالغياب الكلي للحوار منذ ثمانية أشهر ولكننا لا ندري هل انها ستكون كافية لفتح باب جدي للحوار لا من حيث مكوناته فقط بل في مضامينه ؟ وهل أنه لدينا الوقت الكافي للتوفيق بين الروزنامة الرئاسية ومقتضيات حوار تعددي فعلي أم لا؟ !
الواضح أن الاستفتاء ليوم 25 جويلية ستكون مواضيعه الأساسية الدستور الجديد وبعض القوانين المنظمة للحياة السياسية (القانون الانتخابي ..قانون الأحزاب ..قانون الجمعيات ..) وأن هذه النصوص تحتاج الى مرحلة دنيا من الإعداد..مرحلة ستوكل – نظريا – للجنة وفق المرسوم 117..لجنة لم تشكل بعد ..ثم انه من الضروري أن يتم نشر هذه النصوص كاملة على الأقل شهرا أو شهرين قبل الاستفتاء أي بين 25 ماي و25 جوان القادمين ..وانه لا معنى لحوار لا يسبق عملية صياغة هذه النصوص الأساسية وهذا ما يعني أن رئيس الدولة قد تأخر كثيرا قبل الإقدام على هذه الخطوة المحتشمة وان الظروف المادية والزمنية لحوار جدي لم تعد متوفرة بالمرة فأقصى ما يمكن أن يحصل هو الطلب من هذه المنظمات ومن بقية المشاركين في الحوار (أحزاب ؟) تقديم مقترحات كتابية خلال الأسابيع القليلة القادمة..والفرق شاسع بين حوار جدي تعددي وبين مقترحات كتابية لا تلزم إلا أصحابها .
ثم لِمَ تأخر الإعلان عن تشكيل لجنة الصياغة هذه إلى حدّ اليوم ؟ فهل فقد رئيس الدولة ثقته في أساتذة القانون الثلاثة الذين اجتمع بهم مرارا عديدة بعد أن اخذ بعضهم مسافة نقدية من مشروع الرئيس ومن فلسفة «الشعب يريد» ؟ أم أن رئيس الدولة لم يعد بحاجة لهذه اللجنة وانه سيستعيض عنها بلجنة فنية تشتغل تحت أوامر القصر ؟
العنصر الجديد الذي اتضح يوم أول أمس هو الإبقاء على هيئة الانتخابات وتكليفها (عبر نائب رئيسها) بتنظيم المواعيد الانتخابية القادمة أي استفتاء 25 جويلية وتشريعية 17 ديسمبر ولكن بأي تركيبة مركزيا وجهوريا، هذا ما لا نعلمه إلى حدّ الآن..
مسالة أخرى يبدو أنها قد اتضحت أيضا وهي تغييب جل الأحزاب أو كلها عن هذه المشاورات في خطوة إضافية لتقزيمها وللحد من دورها في الإسهام في رسم ملامح المرحلة القادمة وربما تمهيدا لإقصائها الفعلي – لا القانوني – من الانتخابات التشريعية القادمة فيكون لدينا برلمان بلا أحزاب و بلا حضور حزبي قوي،وهذا –فيما يبدو –من احد أهم الأهداف الإستراتيجية لرئيس الدولة ولرفاقه في «الحملة التفسيرية» .
ويبقى السؤال: هل تكفي هذه الخطوات المحتشمة لإخراج البلاد من أزماتها المتفاقمة او هل ستتلوها خطوات أكثر جرأة ام نحن فقط أمام عملية جديدة لربح الوقت ؟
الأكيد أن الإجابة لن تأخر كثيرا

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115