على ذمة البحث على معنى الفصل 24 من قانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال لسنة 2015 والسبب رفض المراسل الكشف عن مصادره مستندا للمرسوم 115 المنظم للمهنة الصحفية والضامن لحق الصحفي في حماية مصادره.
واقعة جديدة تضاف الى سابقاتها في تونس التي يلاحق فيها الصحفيين منذ 2011 بقوانين غير التي تنظم مهنتهم، وهي المرسوم 115 بالاساس الذي ينظم عمل الصحفي وفق اخلاقيات المهنة ومقتضيات الصالح العام، لكن يقع تجاهله من قبل المرفق القضائي ويحل عوضا عنه قانون مكافحة الارهاب او فصول من المجلة الجزائية. وهو ما يبين عدم استبطان القضاء التونسي لمبدأ حرية الصحافة بما يكشف ان هناك خلل في فهم طبيعة العمل الصحفي وإدراك لمدى حاجة تونس وشعبها لصحافة حرة.
لكن الاقتصار على القول بان القضاء فقط من لم يستبطن حرية الصحافة- وهذا يتجلى في اصرار المرفق القضائي على ان يلاحق الصحفيين بقوانين لا تراعي اساسيات العمل الصحفي ولا طبيعته - هو اختزال لامر ومحاولة كسولة لفهم الازمة الفعلية التي تواجهها الصحافة في تونس، أي ازمة حرية التعبير والصحافة التي لم تترسخ في البلاد.
حرية التعبير والصحافة التي للاسف ينظر اليها اليوم في تونس على انها «ترف» او مطلب قطاعي يرفع ثلة من الصحفيات والصحفيين التونسيتين. ليست امتيازا يمنح للفاعلين في القطاع والعاملين فيه بل هي «ضمانة» دونها لا يمكن القيام بالعمل الصحفي.
فلسوء الحظ، مختلف اجهزة الدولة والفاعليين فيها ومراكز القوى المجتمعية كلها تبحث عن ذريعة للضغط على وسائل الإعلام وهنا تصبح حرية التعبير والصحافة هى الهدف الاول، سواء كان المحرك هو اخضاع الصحافة او عدم فهم وادراك لحيوية الصحافة ودورها في المجتمع.
وتجنبا لاغراق القارئ في تفاصيل نظرية وفلسفية تبحث عن تفكيك دور الصحافة وعن اهمية ما تقدمه من خدمة او البحث عن تاثيرات اخضاعها وتوظيفها لتوجيه الجمهور، الامر بكل بساطة هو ان دور الصحافة يتمثل في تنبيه الجمهور للانتهاكات والفساد ومواجهة المعلومات المضللة الخطيرة وغير الدقيقة التي تقدمها السلطة او مراكز النفوذ والقوى لتوجيه الجمهور. هذا هو جوهر العمل الصحفي وميثاقهم الاخلاقي في أداء وظائفهم التي لا يمكن ان تؤدى بشكل ناجع ومفيد ان هيمن مناخ الخوف و العنفو التهديدات و الايقاف والسجن طالما ان الجهاز القضائي لم يستبطن بعد مبدأ حرية الحصافة والتعبير بذرائع عدة.
لذا فأننا اليوم امام ضرورة اعادة طرح السؤال التالي على انفسنا وعلى الجمهور التونسي : لماذا نحتاج الى حرية صحافة؟ وهذا ليس متصلا فقط بالوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد، بل بشكل عام وفي ظل أي سياق سياسي تعيشه البلاد.
الجواب باختزال دون فذلكة لغوية او بحث عن مصطلحات لا يفهمها الجهور هي التالي، نحتاج لحرية الصحافة لأنه دونها يكون الشعب تحت نير دعاية السلطة التي تقوم على التلاعب بالمعلومات والحقائق وغلق الفضاء العام امام النقاشات كما كان الامر عليه في زمن بن علي.
زمن يتذكره جزء هام من التونسيين الذين عاصروا تناقض نشرات الاخبار والخطاب الاعلامي مع واقعهم المعاش، نمو ورفاهية وديمقراطية تتغنى بها الاجهزة الدعاية لتطمس واقع اجتماعي واقتصادي وسياسي متأزم هيمنت فيه العائلة على الدولة والحزب وكل اوجه الحياة العامة.
هكذا يكون الوضع في ظل قمع للصحافة ومصادرة لحرياتها، وهذا ما كانت عليه تونس قبل 2011 والخشية اننا في مرحلة الانتكاسة عن بعض المنجزات والمكتسبات المحققة ان استمر واقع الصحافة والاعلام كما هو عليه اليوم.
استهداف من وجهات عدة، السلطة التي توجه رسائل سلبية لاجهزة الدولة وللجمهور على حد سواء بسبب معادتها للصحافة والصحفيين، والقضاء الذي عجز عن ادارك وقوع ثورة في البلاد وتعذر عليه ان ينتصر لحرية الصحافة والتعبير لعجزه كجهاز عن تبنى قضايا الحريات بشكل عام وبقاءه على الوضع الذي كان عليه زمن بن علي. ولا يختلف وضع بقية اجهزة الدولة او مؤسساتها في هذه النقطة.
اجهزة ومؤسسات قد تكون جبلت على «معاداة « الصحافة والحريات العامة والخاصة ، فاستهدفت الصحافة بشكل مباشر ومبطن بهدف اخضاعها لسلطة سواء كانت سلطة سياسية سيادية او سلطة اجهزة امنية او اقتصادية ومالية وغيرها. وقد يكون الاقرار بان دور الصحافة وطبيعة عملها تجعلها في اعين من يمسكون بالسلطة او يبحثون عنها «عدوا محتمالا» يفسر نسبيا سبب استهدافها ومحاولة اخضاعها. سواء في تونس او غيرها من الدول ومنها من ترسخ فيه حرية الصحافة والتعبير.
صراع للأسف يخوضه الصحفيين في جل الاوقات بمفردهم، وتتغير فيه قائمة الانصار بتغير موازن القوى والسلطة. أي انه لا يوجد «انصارا» يدافعون عن حرية الصحافة والتعبير بشكل مطلق وهذا من عناصر ازمة الصحافة في تونس.
صحافة لا تجد من يدافع عن حريتها من خارج ابنائها والعاملين فيها وبعض من ألحقوقيين دونهم لا مدافع وهذا ما يجب ان يقع القطع معه. فالصحافة لا وجود لها خارج اطر الحرية، ففي ظل القمع والاستبداد لا توجد الا الدعاية التي يقع ضحيتها الجمهور وهو هنا التونسيين الذين سيقع اقصائهم من الفعل والتاثير في ادارة البلاد وتحديد مستقبلهم.
لهذا نحن في امس الحاجة الى حرية الصحافة والدفاع عنها وهو دور تقع مسؤوليته على الجميع دون استثناء، فاول ضحايا غياب حرية التعبير هو حاضرنا المشترك ومستقبلنا الذي نبحث عن صناعته معا.