أن تكون البوابة الشعبية الكبيرة لجملة الإصلاحات الدستورية والسياسية والانتخابية موضوع الاستفتاء ليوم 25 جويلية القادم ..
هنالك معيار واحد للفشل أو النجاح وهو نسبة المشاركة الشعبية فبعد 44 يوما وإلى حدود الساعات الأخيرة من يوم 28 فيفري لم يصل عدد المشاركين إلى عتبة 235.000 مشارك أي دون %3 من مجموع التونسيات والتونسيين المعنيين بها. والعدد الإجمالي للمشاركة إلى موفاها يوم 20 مارس الجاري لن يصل في أحسن حالته إلى %5 من مجموع الناخبين المفترضين والحال أن وزير الشباب والرياضة،الوزير الأكثر انخراطا في هذه الاستشارة ،قد أكد منذ نهاية شهر جانفي الفارط أن عدم بلوغ العدد لربع الناخبين أي أكثر من مليوني شخص سيفقد هذه الاستشارة مصداقيتها ..
الواضح إذن أن تسخير كل أجهزة الدولة والنزول بالسنّ المخولة للمشاركة إلى 16 سنة أي إلى فئة عمرية لا تملك حق الانتخاب كذلك الحملات الاشهارية في الإعلام العمومي والخاص وتجند الإدارات المركزية والجهوية ..كل هذا لم يقنع التونسيات والتونسيين بالانخراط في هذه العملية لا لكونهم معارضين لرئيس الدولة أو إلى أنهم من أنصار خصومه بل فقط لأنهم غير معنيين بها شكلا ومضمونا ولا يرون من الإجابة عن أسئلة مبهمة وبعيدة على مشاغلهم فائدة تذكر.
السؤال الأساسي اليوم هو هل ستقر السلطة الحاكمة بفشل هذه الخطوة الأولى وتستخلص تبعا لذلك كل الدروس السياسية الضرورية أم أنها ستمعن في العناد متعللة بضعف تدفق الانترنت أو بتآمر المتآمرين لتواصل المرور بقوة في اتجاه أحادي لفرض أمر واقع لا يعلم احد اليوم مالآته النهائية ؟
السياسة،اي حسن التدبير،تقتضي ،فيما تقتضي،حسن الإصغاء وعدم الإصرار على طرق الأبواب المفتوحة،كما تقتضي السياسة الحرص على القواعد الدنيا للعيش المشترك وتجنب كل مغالبة في هذه المسألة الجوهرية ..
من حق رئيس الجمهورية ،بل ومن حق كل تونسي،أن يقترح على الناس تغيير قواعد اللعبة ويكون ذلك عادة في المواعيد الانتخابية الكبرى وأن تخاض الحملات الانتخابية على هذا الأساس ولكن شيئا من هذا لم يحصل في تونس ..
ورغم ذلك فقد وجدت نافذة تاريخية بعد 25 جويلية وهي قبول جل التونسيين بإصلاحات هامة للقانون الانتخابي وللقوانين المؤطرة للحياة السياسية بل ولفصول بعينها في الدستور شرط أن يكون ذلك نتيجة عملية تشاركية واسعة تحافظ على الإطار الدستوري العام وتهدف بكل جدية إلى عدم الاستفادة الشخصية أو «الحزبية» من الوضع الاستثنائي وتعيد البلاد بسرعة إلى نسق ديمقراطي مقبول ..ولكن هذه الفرصة أهدرت إلى حد الإغلاق النهائي لهذه النافذة .
أزمات البلاد ليست سياسية فقط والناس لا يعيشون بالاستشارة أو الاستفتاء أو الانتخابات وما يُخشى على بلادنا هو ان تجتمع عليها كل هذه الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وألا تجنح مع ذلك إلى توحيد الصف الوطني والى وضع الأهم قبل المهم وأن تختار بدل ذلك «الفرز» القائم على التخوين والانخراط المطلق وراء الزعيم .
فشل الاستشارة الالكترونية لحظة مهمة ينبغي للسلطة السياسية الإصغاء إليها جيدا وتعديل أوتارها وحسن قراءة معانيها،هذا إذ أرادت فعلا الإصلاح أمّا الاستمرار في نهج الانفراد بالرأي والمرور بقوة لفرض واقع جديد فذلك لن يؤدي إلا إلى تعميق أزمات البلاد وتأجيل كل إصلاح جدي والمخاطرة بحاضر تونس ومستقبلها ..
التدارك مازال ممكنا شريطة تحكيم العقل والمصلحة فقط لا غير.