بهالة من التعظيم والتقديس على اعتبارها «مقاربة غير تقلدية» لمعرفة مطالب التونسيين قبل تجسيد ارادتهم على ارض الواقع.
استشارة انقضى شهر من زمنها الذي ينتهى وفق التاريخ المرسوم من قبل الرئيس في 20 مارس القادم، ومعه بات يمكن تقديم قراءة اولية للمعطيات الاحصائية وللأرقام المتعلقة بها إضافة الى العودة عن تفاعل التونسيين معها شكلا ومضمونا.
هذه الاستشارة التي قدم الرئيس في 27 جانفي الفارط ما اعتبره توجهات عامة سيقع اعتمادها في مرحلة التأليف تدخل اليوم اسبوعها الخامس وقد بلغ عدد المشاركين فيها عند الساعة السابعة مساء من يوم امس حوالي 171 الف.
رقم يجب النظر اليه ومقارنته بالرقم المسجل في نهاية الاسبوع الثاني من الاستشارة والذي قدر بقرابة 105 الاف مشارك، بمعدل 7500 شخص يوميا، فيما سجل الاسبوعين في الآخيرين من تاريخ 27 جانفي الى يوم امس 12 فيفري الجاري مشاركة 66 الف تونسي في الاستشارة رغم الاجراءات الجديدة.
اجراءات تمثلت في تخفيض السقف العمري بتمكين من هم فوق 16 سنة من المشاركة وتمكين من لا تتطابق ارقام بطاقات تعريفهم الوطنية مع ارقام هاتفهم من المشاركة، مع اصدار مناشير داخلية في الادارة العمومية للحث على المشاركة والقيام بقوافل وحملات توعوية ودعائية وغيرها من الاجراءات التي لم تساعد على ان يرتفع نسق المشاركة، التي انخفض معدلها اليومي من 7500 في الاسبوعين الاولين الى 4715 شخص في الاسبوعين الثالث والرابع ليكون معدل المشاركة اليومي منذ 15 جانفي الى 12 فيفري 5869 شخصا. ارقام لا يجب ان نسقط عنها ان عدد الولايات التي سجلت مشاركة فوق 10 شخص طوال الاسابيع الاربعة هي 6 ولايات: تونس وصفاقس وبين عروس واريانة وسوسة ونابل.
هذه الارقام التي تكشف ضعف الاقبال على المشاركة في الاستشارة الوطنية الذي لم يحل دون ان يعلن الرئيس في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد منذ اسبوعين عن ما يعتبره توجهات عامة تكشف ارادة التونسيين الذين يرغب غالبيتهم في ان يكون النظام السياسي في تونس نظاما رئاسيا. وان يقع انتخاب ممثليهم في المجلس التشريعي بنظام اقتراع على الافراد مع امكانية سحب الثقة منهم.
وضع الاحصائيات الاولية والنتائج الاولية التي اعلنها الرئيس جنبا الى جنب يضع الاستشارة في معضلة فعلية، فهي وبما قدم من معطيات وتصريحات تقع في تناقض صريح مع الهدف المعلن عنه في البوابة، اذ وقع تقديم الاستشارة على انها «إتاحة الفرصة لجميع التونسيات والتونسيين» باعتبارهم «المالك الوحيد للسلطة، لتحديد الإصلاحات الرئيسية التي يتطلعون إليها».
فمن نحاية الارقام لا يمكن اعتبار عدد المشاركين البالغ 170967 عند الساعة السابعة من مساء امس، نسبة يمكن التسويق لها على انها تعكس ارادة التونسيين والتونسيات، ولا يمكن تقديمها على انها «تفويض» منهم للقيام باصلاحات واضفاء مسحة من المشروعية الشعبية عليها، حتى بحلول تاريخ 20 مارس القادم لا يمكن ان يقع تسويق الامر على انه تفويض خاصة وان المؤشرات الاولية تبين اننا امام احتمال ان لا يصل عدد المشاركين الى نصف مليون تونسي وهو ربع 1/4 الرقم الذي اعلن على انه سيكون تمثيليا ويعكس توجهات التونسيين من قبل وزير الشباب نفسه.
ضعف المشاركة الذي يسحب عن ألاستشارة الى حدود ألان ورقة المشروعية او التفويض بالاضافة الى تصريحات الرئيس التي كشفت عن رغبات الرئيس صراحة. وشكل النظام السياسي المرام، تجعلان من مخرجات الاستشارة محل «نقد» وتشكيك هذا دون الذهاب الى مضمون الاسئلة الثلاثين أو تقييمها وتقييم محاورها الـ6.
مضمون كشف بشكل جلي انه «موجه» سواء من الاسئلة التي طرحت او الاجابات التي قدمت كاختيارات يمكن للمشارك الاختيار بينها. ولا في نوعية الاسئلة التي وباستثناء المحور السياسي كانت عبارة عن سبر لأراء الناس عن تقييمهم للخدمات التي يفترض بان الدولة تقدمها لهم.
كل هذا يمكن اليوم من القول، ونحن في منتصف المدة الزمنية للاستشارة الوطنية، يمكن ان التعثر بات امرا مرجحا بقوة، وهذا سيكون له انعكاس كبير على المسار السياسي الذي اعلنه الرئيس «شفاهيا» دون نص قانوني. وان هذه الانعكاسات ستسحب من الرئيس ورقة «التفويض» للحديث باسم الارادة الشعبية، وتجعله مخيرا بين المرور بقوة في خياره السياسي وما ينجر عن ذلك او بين المراجعة والقيام بالتعديلات اللازمة لانقاذ البيت من الانهيار.