وأهمها ثورة 17 ديسمبر 2010 - 14 جانفي 2011 التي جعلتنا في البداية نحلم بتحولات جوهرية وبالعيش في دولة ديمقراطية تصان فيها الحقوق والحريات الفردية والعامة وتحترم فيها كرامة كل المواطنين ونعمل فيها جميعا من اجل النهوض والرقي الجماعي ..ولكن كانت الخيبة بحجم هذه الآمال العظيمة ..
لقد اعتقد بعضنا أن 25جويلية كان فرصة أخرى لتلافي أخطاء الماضي .. ولكن اتضح فيما بعد أننا واصلنا في الطريق الخطإ بكل إصرار وعناد ظنّا من بعضهم أن ما عجزت عنه المجموعة قد ينجح فيه فرد واحد برأسه.
كانت كل الأضواء حمراء قبل 25 جويلية، وباستثناء الوضع الوبائي واصلت بنفس اللون نتيجة غياب التشخيص السليم لأزمات البلاد المتفاقمة وعطفا عليه كان الغياب الكلي للحلول الجدية والاعتقاد الساذج بأن تغيير النظام السياسي بصفة جذرية وتبني نظام هلامي يدعي بالبناء القاعدي قادر على تغيير كل شيء ..
كانت مؤشرات عديدة قبل 25 جويلية وبعده تدل كلها على المنعرج الخطير الذي دخلت فيه البلاد وزادته الجائحة وعدم نزاهة الحكام أو انعدام خبرتهم أو الاثنين معا خطورة إلى أن أصبحت بلادنا فعلا ، لا قولا على مشارف الانهيار .
الإشكال في تونس اليوم ، كما كان ذلك بالأمس القريب ،لا يكمن في الخطورة الموضوعية بل في العجز عن فهمها وعن إيجاد الحلول الجدية لتلافيها وفي الشجاعة السياسية لانتهاج سياسة انقاذية بدلا من الحسابات السياسوية الهزيلة والرغبة الجامحة في البقاء في الحكم أو في الوصول إليه ولو كان ذلك على جثة البلاد ..
لم ندرك إلى حدّ الآن أن البلاد تعيش منذ سنتين في أتون حرب أهلية باردة يريد فيها الكل إقصاء الكل وإبادته سياسيا على الأقل، الكل يتحفزّ ليوم «الفرز» والانتصار على البقية بالضربة القاضية ..
هذا المعطى، هو في نفس الوقت سبب ونتيجة لاقتحامنا الطريق الخاطئة بكل حماسة وفي جلّ ردهات هذه العشرية ..
هنالك معارك سياسية أساسية ينبغي أن تخاض ضدّ الإرهاب والتطرف والفساد والجريمة المنظمة،ولكننا لن ننتصر في جلّ هذه المعارك لو حوّلنا الساحة السياسية إلى ساحة لحرب لا تنتهي ولا تعرف متى وكيف تضع أوزارها .
لا توجد أية ضرورة لتعم المحبة أرجاء البلاد إذ يكفي أن نقتنع بفكرة بسيطة بأن تونس ملك لجميع بناتها وأبنائها ولكل تياراتها الفكرية والسياسية ما لم تعمد إلى العنف والإرهاب ومتى قبلت بقواعد العيش المشترك ومتى أقلعت عن خطاب الكراهية والتكفير والتخوين وان أخطاء وجرائم الأفراد أو حتى القيادات لا ينبغي أن تذهب بنا إلى إلغاء الوجود لهذا الطرف أو ذاك .. وحده صندوق الاقتراع الشفاف بعد منافسة نزيهة يحدد الأحجام والمواقع مع العلم سلفا أن إنقاذ البلاد من الانهيار يفترض حتما تكاتفا يتجاوز أغلبيات الحكم ويفترض تواصلا للسياسات الإصلاحية الجدية مهما تغيرت الأغلبيات ..
متى نستفيق من وهم الانتصار الساحق الماحق؟ متى ندرك أننا مجبرون على العيش مع المختلف قبل المؤتلف؟ والأهم من كل هذا متى ندرك أن الأساسي في السياسة لا يكمن في تبادل المنافع والمصالح وتقاسم الحكم أو الانفراد به بل في تحسين أوضاع البلاد والعباد وان هذا التحسين يستدعي تظافر مجهودات الجميع وأن السلم أفضل دوما من الحرب وان التقدم الجماعي ولو بخطوات وئيدة أفضل من الحلم بمسابقة الرياح وبالمراوحة في نفس المكان في الواقع المعيشي للناس ..
علامات الانهيار أكثر من أن تحصى هنا ولازال الإنقاذ ممكنا ودون كبير كلفة، أما لو تواصل الإصرار والعناد سيحصل الانهيار في غفلة من الجميع وستكون الكلفة آنذاك بما قد لا نقدر على تحمله والصبر عليه.
ماليا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا: تونس في طريق مسدودة !
- بقلم زياد كريشان
- 10:40 01/02/2022
- 1320 عدد المشاهدات
نهجت تونس طريقا خاطئة منذ عقود ورغم ذلك فقد أتيحت لها فرص عديدة للإصلاح أهدرتها كلها ولعل آخر فرصة