المؤتمر العادي للاتحاد الجهوي خطابا هاما للغاية لأنه يشخص بوضوح قوي ملامح الأزمة السياسة والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها بلادنا اليوم كذلك ما يقترحه وما سيعمل عليه الاتحاد لإخراج البلد من تبعاتها الخطيرة .
لعل الذي يستمع إلى الدقائق الأربعين لخطاب الرجل الأول في المنظمة الشغيلة لا يرى فيها جديدا لافتا ولكن الإصغاء الدقيق إلى كل ما قاله نورالدين الطبوبي إما تصريحا أو تلميحا يكشف لنا عن إنضاج موقف نقابي من الأزمة السياسية الحالية ومن كل مكوناتها الأساسية.
يشدد الاتحاد على لسان أمينه العام على أن المنظمة الشغيلة ما كان لها أن تقف ضد قرارات 25 جويلية لأنها عبّرت وتماهت مع نبض الشارع ولكن الاتحاد قال منذ البداية انه لا يعطي صكا على بياض لأحد وانه لا ولن يصطف مع احد لا في الحكم ولا في المعارضة.
يقر الأمين العام للاتحاد بضرورة تعديل الإطار الدستوري والقانوني الذي تعيش فيه البلاد منذ ثماني سنوات ولكنه لا يقبل بنسف الموجود ولا يقبل بصياغة انفرادية للمستقبل (تلميحا لا تصريحا) ويخلص نورالدين الطبوبي إلى النتيجة الأهم : «تونس ما عادش تنجّم تصبر» وأن كل الفرقاء قد اقترفوا أخطاء ولكن أمام خطورة الوضع واشتعال الأضواء الحمراء وجب لزوما على «الناس الكل» أن تجلس على نفس الطاولة لإنقاذ اقتصاد البلاد ولإيجاد الحلول العاجلة للفئات الاجتماعية الأكثر فقرا وهشاشة .
لم يفصح الأمين العام للاتحاد عن طبيعة هذه الطاولة وخاصة طبيعة المشاركين فيها لكنه أشار بوضوح إلى أن تكون حولها كل الأطراف وأن الجميع تونسيون وانه لا يمكن لنا أن نطرد فئة ما إلى خارج البلاد وهذا يعني بوضوح – على الأرجح – أن الاتحاد لا يرى من وجاهة ما لإقصاء أي طرف باستثناء التيارات الاسلاموية المتطرفة كائتلاف الكرامة وهذا موقف ثابت للاتحاد قبل وبعد 25 جويلية وأن عدم التذكير به في خطاب مدنين لا يعني بالمرّة تحولا في الموقف ولكن التعديل أو التوضيح يتعلق بعدم استثناء الأطراف الأخرى التي شاركت في الحكم قبل 25 جويلية وأساسا حركة النهضة كما انه لا مجال لإقصاء الحزب الذي يقع على طرف النقيض من الإسلام السياسي وهو الحزب الدستوري الحرّ .
لم يتحدث الأمين العام للاتحاد مطلقا عن هذه الأطراف لا تصريحا ولا تلميحا ولكن تأكيد على ضرورة جلوس الكل حول نفس الطاولة لا يمكن أن يكون له معنى آخر غير هذا والحال أن بعض القيادات النقابية كانت تقول قبل هذا أن الحوار الذي تدعو إليه المنظمة الشغيلة يستثني كل الأطراف التي ساهمت في الحكم قبل 25 جويلية وكانت بالتالي سببا في هذه الأزمة العميقة وكان الشعار آنذاك أن من كان سببا في الأزمة لا يمكن أن يكون جزءا من الحلّ ..
أما خطاب مدنين فهو يقول فيه بأن الأزمة وإن كان حكام الأمس أهم المسؤولين عنها إلا أن الأخطاء لا تقتصر عليهم فقط وأن الحل لكي يكون تونسيا تونسيا ينبغي أن يدمج الجميع مع الاستثناء الذي أشرنا إليه أنفا ..
وما يبرر هذه الدعوة بالنسبة للأمين العام للمنظمة الشغيلة هو الخطر المحدق باستقلال القرار الوطني نتيجة هذا التمزق السياسي بما يجعل بلادنا فريسة للسطو الاقتصادي العالمي بما يضعف إلى أقصى حدّ قدرتنا على الصمود نتيجة تناحرنا الداخلي ..
لسنا ندري هل سينتقل الاتحاد في قادم الأيام من التلميح إلى التصريح بداية، ثم إذا كان الأمر كذلك، فكيف سيتمكن من إقناع أطراف عدّة تتنافى فيما بينها اثنين اثنين ،إذ يبدو للجميع اليوم أن طاولة تضم رئيس الجمهورية ،أو من يمثله ، مع حركة النهضة والدستوري الحرّ والأحزاب المساندة لـ25 جويلية وتلك التي تعارض هذا المسار كليا أو جزئيا .. اجتماع من هذا القبيل يبدو اليوم اقرب للخيال العلمي منه الى أي شيء آخر ..
لكن لو أردنا سبر نوايا العقل النقابي الذي يعبر عنه الأمين العام للمنظمة الشغيلة لقلنا أولا بأن «الكل» لا يتجه ضرورة للأحزاب فقط بل إلى كل المكونات الاجتماعية والفكرية والكفاءات والشخصيات المستقلة كذلك، لأن الهدف هو إنقاذ البلاد أساسا لا إنقاذ منظومة الأحزاب ،ثم – وهذا هو الأهم – هل يمكن تصور حلّ تونسي تونسي تشاركي لخروج فعلي من هذه الأزمة دون إقناع الجميع بأن التنافي المطلق بين هذه المكونات لن يؤدي إلا إلى خراب البلاد ..
الحوار لا يعني بالمرّة «توافقا» جديدا أو تحالفا حكوميا أو صفقة ما تعقد تحت الطاولة لاقتسام المصالح والمواقع ..الحوار الذي يريده اتحاد الشغل – حسب فهمنا الخاص – هو حوار لتهدئة الأجواء ولنزع فتيل الفتنة والانقسام العدائي لمكونات المشهد السياسي، ولاتفاق – لا التوافق – سيكون على الإطار العام المنظم للعيش المشترك وابقاء المنافسة السياسية خارج حدود العدوانية ما أمكن ذلك، ونضيف كذلك كان هذا الاختيار – لو كانت قراءتنا صائبة لخطاب الأمين العام للاتحاد – ليس ترفا فكريا أو سياسيا أو رغبة نقابية بل هو ضرورة ملحة لان الانسداد السياسي عندما تضاف له أزمة المالية العمومية وضعف آلتنا الاقتصادية وحجم الانتظارات الاجتماعية لن يؤدي إلا إلى الانهيار الشامل للبلاد والعباد.
وهذا الحوار لن يكون حتما على شاكلة ما حصل سنة 2013، رغم أهميته البالغة وإنقاذه للبلاد من أتون حرب أهلية قادمة،لأنه يهدف أيضا إلى وضع البلاد على سكة الإصلاح الحقيقي لا السياسي فقط ولكن خاصة الاقتصادي والاجتماعي ..
لاشك لدينا أن اتحاد الشغل سيوضح رؤيته بشكل أكثر دقة على مستوى مضمون هذا الحوار وطبيعة المشاركين فيه والدور الذي ينوي أن يلعبه بمعية المنظمات الاجتماعية والجمعيات المهنية والحقوقية لفرض هذا الحل التونسي التونسي الذي يتطلع اليه كل عقلاء هذه البلاد..
أيا كان الأمر وسواء أكان تأويلنا صائبا كليا أو جزئيا أو حتى لو كان مخطئا بصفة جوهرية فيقيننا أن بوصلة الاتحاد هي تونس وان تونس في أشد الحاجة اليوم إلى الاتحاد وإلى دوره الوطني في إنقاذ البلاد.
في خطاب هام لنور الدين الطبوبي في مدنين: اتحاد الشغل والبوصلة الوطنية
- بقلم زياد كريشان
- 10:06 31/01/2022
- 935 عدد المشاهدات
كان الخطاب الذي ألقاه نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل يوم السبت 29 جانفي بمدنين بمناسبة انعقاد