وقدم نتائجها الاولية علىانها ترسم ملامح النظام السياسي القادم.
استشارة تحدث عنها الرئيس في معرض تطرقه لعدة ملفات وقضايا اطنب في الحديث عنها وعن مواقفه منها، ولكنه حينما بلغ نقطة تقديم نتائج الاستشارة الالكترونية خير ان يمهد اليها بالتطرق الى العقبات التي وضعت امامها، وهنا القى الرئيس بمسؤولية التعثر والتخبط الحاصل على معارضيه والمح الى انها حركة النهضة باعتبارها تمثل المنظومة.
استشارة قال «انهم» فعلوا كل شيء لتعطيلها بهدف ان يعزف التونسيون عن المشاركة، ولكن الاستشارة تمضى وفق تقييم الرئيس وهي تقدم نتائج اولية عن ارادة التونسيين، وهنا اختار الرئيس ان يعبر فقط عن ارادة التونسيين في ما يتعلق بالنظام السياسي وبموقفهم من القضاء.
وقدم الرئيس ما اعتبره توجهات عامة سيقع اعتمادها في مرحلة التأليف وهي المرحلة الثانية ، وهذه التوجهات هي ارادة 82 % من التونسيين بان يكون النظام السياسي التونسي نظاما رئاسيا. كما ان 81% منهم مع نظام الاقتراع على الافراد ، اما الية سحب «الوكالة» او سحب الثقة كما ترد في الاستشارة فان 92 % من التونسيين يقولون انهم مع سحب الثقة عن النائب إذا اخل بواجبه.
هذه النسب التي تعمد الرئيس ذكرها وتقديمها في كلمته، يراد من خلالها حسم النقاش قبل فتحه باقرار النظام السياسي الذي يريده الرئيس قيس سعيد وهو نظام رئاسي، يمسك فيه الرئيس بكل السلطة والصلاحيات التنفيذية ويترك للمجلس التشريعي صلاحيات محدودة.
نظام يسوق الرئيس في كلمته على انه «ارادة التونسيين» ويتجاهل ان عدد المشاركين إلى غاية السابعة مساء من يوم امس بلغ 105 آلاف مشارك وهو عدد لا يمكن ان يعتمد لتقديم نتائج اولية لتوجهات عامة، او لاستعراض الاجابات على انها عينة اولية عن ارادة التونسيين والبناء عليها.
رقم الـ105 آلاف مشارك رقم بعيد كليا عن رقم 2 مليون مشارك في الاستشارة، وهو الرقم الذي قدمه وزير الشباب والرياضة كرقم ادنى يسمح بالقول ان ما قدمته الاستشارة يعبر عن ارادة التونسيين، لان هذا الرقم يكشف ان نسبة الاقبال علىة الاستشارة تراجعت بشكل كبير عما كانت عليه قبل بداية الاسبوع الجاري.
فقد بلغ عدد من شاركوا في الاستشارة يوم الاثنين الفارط حوالي 99 الف مشارك، وبالعودة لعدد من شارك وفق احصائيات امس لحدود السابعة مساءا، يتضح ان عدد من شاركوا يوم الثلاثاء والأربعاء والخميس إلى حدود السابعة مساءا بالكاد بلغ حاجز 6 ألاف مشارك.
اي اننا امام تعثر سيتواصل وقد يسفر عن مشارك محدودة لا تتجاوز بضع مئات من الالاف وهي غير قادرة على ان تعبر عن ارادة التونسيين او اي نظام سياسي او اصلاحات يريدونها. هذا دون الحديث عن مضمون الاستشارة وما شابها من توجيه.
استشارة يرى الرئيس انها تمنحه اليوم توجهات عامة، مضمونها يقول ان التونسيين يرغبون في نظام سياسي يتناغم مع تصوره الذي يقوم بالاساس على رئيس جمهورية قوي مع مجلس تشريعي محدود الصلاحيات كما ان عملية تصعيده وانتخابه تتم بالتصويت على الافراد مع منح الناخبين ورقة سحب التكليف.
اي ان الرئيس اعتبر ما قدمته الاستشارة ، طالما انها في انسجام مع تصوره، كاف للمرور الى رسم النظام السياسي القادم، وهذا ما تكشفه كلماته ومنها ان النتائج التي استعرضها سيقع اعتمادها في المرحلة الثانية وهي مرحلة التاليف، اي مرحلة صياغة الدستور الجديد والنظام السياسي.
وبذلك يحقق نصره القائم على فرض الامر الواقع والذهاب بالاستشارة من خانة سبر الآراء ومعرفة التوجهات الى مربع «التعبير عن الارداة الشعبية» التي تصبح مقدسة ويجب تحقيقها في باقي المسار السياسي.
وفي هذه النقطة يسقط الرئيس كل المؤشرات الباقية، ومنها ضعف المشاركة وضعف نسبة مشاركة المرأة والشباب دون سن 40 سنة، ويفضل ان يقتصر على ما يتناغم مع سرديته السياسية، التي لا تقف عند نقطة النظام السياسي وشكله، بل تمتد لتشمل ملف «تطهير» القضاء، وهنا يستعرض الرئيس نسبة التونسيين الذين ابدوا عدم ثقتهم في القضاء ومؤسساته وهي 89 %.
هذه الارقام التي قدمت يوم امس تكشف لنا اننا امام تطور سياسي هام مفاده ان الرئيس يعتبر نفسه قد تحصل على تفويض شعبي، وانه استفتى الشعب بشأن مشروعه ومنح الشرعية والمشروعية لتنزيله وبهذا لم يعد بحاجة الى التوافق او البحث عن تشريك الاجسام الوسيطة. اي انه يسلط ضغوطا اضافية على الاجسام الوسيطة واساسا تلك التي لم تتبنى موقف رافضا لـ25 جويلية ويجعلها محاصرة بين مراقبته يقوم بنتزيل مشروعه السياسي بشكل احادي او ان تنصاع اليه مع تخفيض سقف مطالبها وان تقبل بان يكون النقاش هو في بعض التحسينات على النظام السياسي الذي قدمه وليس في شكل النظام برمته.
اما القضاء فان الرئيس يلوح امامه بورقة الشعب ومنسوب الغضب ليحشره في الزاوية اكثر ويمنح قراراته ومراسيمه القادمة شرعية شعبية.