لديه الفكرة التالية : لقد بلغت هذه البلاد من الترف المادي والفكري ما جعلها تتفنن في تقسيم الشعرة على أربع وبالطول أو لتحسم نهائيا في جنس الملائكة وأن أهلها في بحبوحة من العيش مما دفعهم إلى الضجر والترويح عن النفس بقصص الشقوق وأهل الشقاق ..
ينبغي لهذا الكائن العاقل أن ينزل إلى الأسواق وأن يتفرس في الوجوه وأن يراجع مرسوم/قانون المالية لهذه السنة والتقارير الدولية التي اهتمت بالوضع الاقتصادي للبلاد ليدرك حجم الهوة بين الاهتمامات الطاغية اليوم على السلطة وبين الوضع الكارثي لاقتصاد البلاد ولماليتها العمومية .
صحيح أن تونس ليست على حافة الإفلاس وأنها لن تجد صعوبات كبيرة لسداد ديونها بالعملة الأجنبية لهذه السنة ولكنها مع ذلك في حالة انحدار مستمر ..انحدار لم يبدأ ولاشك مع 25 جويلية ولكن حكومة الإجراءات الاستثنائية ورئيس الدولة لم يفعلا شيئا يذكر من أجل وقف هذا الانحدار وإعداد الشروط الموضوعية للتعافي الاقتصادي والاجتماعي والسبب في ذلك لا يكمن في غياب الرؤية الإستراتيجية فحسب بل في غياب البوصلة العملية التي تقينا من العثرات المماثلة أمام أعين كل كائن عاقل حتى ولو كان من المريخ !!
لقد بلغت مديونيتنا مستويات خطرة خاصة لو أضفنا إليها مديونية المؤسسات العمومية سواء أكان ذلك بضمان الدولة أم لا لأن الدولة مضطرة إلى الإيفاء بالتزامات المؤسسات التابعة لها في كل الأحوال ..
كنّا ننتظر تصورا أوليا للخروج من الأزمة تقدمه لنا رئيسة الحكومة أو نجد آثاره في مرسوم / قانون المالية ولكن شيئا من هذا لم يحصل .. التوازنات المالية الفعلية للدولة والنهوض بالاقتصاد وجلب الاستثمار العمومي والخاص والأجنبي والإصلاحات العاجلة التي تجعلنا نتلافى الخطر ونشرع في الرقي في سلم القيم .. كل هذا لا يهمّ كثيرا رئيس الدولة اليوم المشغول بمسائل أخرى تماما كتطهير القضاء وإرساء الصلح الجزائي والشركات الأهلية كما سخّر كل أجهزة الدولة للقيام بهذه الاستشارة الالكترونية والتي ينوي على أساسها القيام بتغيير جوهري لقواعد اللعبة السياسية.. هذا هو الأساسي اليوم لرأس السلطة بما جعل الحكومة بلا بوصلة جدية وبلا قدرة فعلية على وضع برنامج عملي للإنقاذ يحظى بالحدّ الأدنى من المقبولية الشعبية والدولية على حدّ سواء ..
لقد قالت وزيرة المالية بعظمة لسانها إن إنجاز مرسوم / قانون المالية لهذه السنة مرتبط سببيا بعقد اتفاق ممدد جديد مع صندوق النقد الدولي خلال الثلاثي الأول من هذه السنة. ها نحن قد شارفنا على نهاية ثلث هذا الثلاثي الأول ولا شيء في الأفق لا في العلن ولا في السرّ وها أن الحوار الاجتماعي الداخلي في نقطة الصفر شأنه شأن الاتصال الحكومي الذي لم يقدر أحد على فك عقدة لسانه ..
نكررها للمرة الألف تونس قادرة على النهوض وعلى تقاسم التضحيات الضرورية وعلى إصلاح جدي لكل منظوماتنا المالية والاقتصادية والاجتماعية وعلى خلق حلم جماعي يجسّر الثقة بين كل مكونات المجتمع ولكن هذا يستوجب رؤية طموحة وقيادة رشيدة ومناخات من التفاؤل والاطمئنان وإنجازات ظرفية تعمق كل هذا وتدفع بنا إلى الأمام .
يمكن لبلادنا أن تحقق إقلاعا اقتصاديا وتربويا وعلميا حقيقيا في ظرف عقدين من الزمن ننجز به تحولا نوعيا في حياة كل بنات وأبناء البلد .كل هذا ممكن شريطة الرؤية الواضحة والقيادة (بالمعنى الجماعي لا الفردي) المخلصة والطموحة والتفرغ كليا للبناء والتطوير وخلق التفوق والامتياز لكل بناتنا وأبنائنا..
إذا لم تفعلوا كل هذا من أجل المواطنين فافعلوه من أجل ذلك الكائن العاقل من المريخ حتى لا يخيب ظنه فيكم وفي بلادكم إلى الأبد !!
تطهير القضاء.. الصلح الجزائي.. الشركات الأهلية..الاستشارة الالكترونية.. أين اقتصاد البلاد في كل هذا ؟ !
- بقلم زياد كريشان
- 13:17 27/01/2022
- 850 عدد المشاهدات
لو حضر بيننا كائن عاقل من المريخ وأنصت خلال أيام إلى كل ما يقال داخل أروقة الحكم وللاهتمامات الرئيسية للسلطة لحصلت