الذي انطلق مع «الاستشارة الالكترونية» وغموض العلاقة بين مفاهيم يبدو أنها أساسية عند السلطة الجديدة ولكننا لا نرى بالوضوح الكافي الرابط المنطقي بين كل عناصرها من الصلح الجزائي إلى الشركات مرورا ووصولا إلى البناء القاعدي أو «الديمقراطية الحقيقية» كما يقول عنها أصحابها .
وما زاد في غموض كل هذا أن هذه الأفكار الأساسية على ما يبدو في تصور رئيس الدولة لا تخضع لحوار مجتمعي مفتوح وانه كلما تحدث أصحابها (جماعة الحملة التفسيرية/ الانتخابية) في وسائل الإعلام زاد الأمر غموضا وإبهاما..
ولكن ما لا نراه في مجمله نرى بداية توضح عناصره من خلال النصوص/ المراسيم التي يراد لها أن تهيكل حاضر ومستقبل البلاد..
بعد النص «المسرب» حول ردّ المجلس الأعلى للقضاء حول رأيه الاستشاري في مشروع مرسوم/ قانون الصلح الجزائي ها نحن أمام النص الأصلي «المسرب» بدوره والذي يحمل عنوان «قانون عدد... لسنة 2021 مؤرخ في ....2021» يتعلق بالصلح الجزائي مع المتورطين في الجرائم الاقتصادية والمالية» وهو النص الذي أحيل على المجلس الأعلى للقضاء في ديسمبر الماضي لكي يبدي رأيه فيه.
اللافت للنظر في هذا النص الأول ربطه بين الصلح الجزائي من جهة ومنظومة الشركات الأهلية من جهة أخرى باعتبارها المستفيدة الوحيدة من أموال الصلح الجزائي .
كما أن اللافت للنظر أن الصلح الجزائي لن يتكفل به القضاء العادي بل هيئة جديدة أطلق عليها «القطب القضائي للصلح الجزائي» والتي ستكون الجهة الحصرية التي ستتناول كل قضايا الفساد المالي والإداري بدءا بالقائمة المذكورة في تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة (هيئة عبد الفتاح عمر ) وكل القضايا التي هي على ذمة القطب القضائي المالي أو التي تعهدت بها الدوائر المختصة للعدالة الانتقالية في جانب الانتهاكات المالية لا انتهاكات حقوق الإنسان كذلك في كل قضايا الفساد التي هي الآن على ذمة المحاكم الأخرى.والجديد أن هذا القطب القضائي الجزائي التي يتكون من 21 قاضيا يقترحهم المجلس الأعلى للقضاء ويعينهم رئيس الجمهورية دون اشتراط «الرأي المطابق» للمجلس أي أننا أمام هيكل قضائي جديد لا يتبع بالمرة للمجلس الأعلى للقضاء لا من حيث التعيين ولا من حيث التحكم في المسار القضائي لقضاة هذا القطب .. ثم إن القطب القضائي الجزائي لا يعترف باتصال القضاء أي انه سينظر في قضايا الفساد المالي حتى لو صدر بشأنها حكم قضائي أو رقابي أو إداري بات ثم يكون الحكم الذي تصدره الجلسة العامة لهذا القطب غير قابل للطعن بأي شكل من الأشكال أي انه لا وجود لتقاض على درجتين: ابتدائي واستئناف كما انه لا وجود لدرجة تعقيبية ثالثة .كل ما يسمح به للمتهم هو أن يتظلم لدى الجلسة العامة قبل صدور الحكم النهائي البات بشأنه ،بعد هذا الحكم وبعد تسديد الشخص المعني به للمبلغ بأكمله يتم إيداع هذه الأموال بحساب خاص ضمن ميزانية رئاسة الجمهورية .
هنا تأتي فصول عديدة في مشروع القانون / المرسوم لتضع الملامح الأساسية للشركات الأهلية وخاصة في هندستها ومأسستها بدءا بتجمع الشركات الأهلية ذات النفع الاجتماعي باعتبارها «الشركة الأم» ثم «شركة المساهمة العامة ذات النفع الاجتماعي» وهي مؤسسة عمومية تحت الإشراف المباشر لرئاسة الجمهورية وهي التي تتولى جمع الأموال ودراسة مشاريع الشركات الأهلية المحلية وتساهم في رأس مالها كذلك ثم الشركات الأهلية، هذا على مستوى الهيكلة العامة ثم الصندوق الوطني للتمويل التضامني التشاركي التابع لشركة المساهمة العامة والصناديق المحلية على مستوى المعتمديات .
هذه الهندسة هي التي تتولى الإشراف وتمويل كل هذه الشبكة بفضل أموال الصلح الجزائي والهبات العينية للدولة كذلك ضريبة خاصة توظف على الشركات الرابحة بالإضافة إلى التبرعات والمصادر الأخرى للتمويل .
نحن إذن أمام ضلعين أساسيين لا يستقيم دونهما «البناء القاعدي» الضلع المالي (الصلح الجزئي) والضلع الاجتماعي (الشركات الأهلية) وعلى رأس الهرم رئيس الجمهورية، بل رئاسة الجمهورية كما يقول نص المشروع،أي انه ستكون لنا بعد تعديل أو تغيير الدستور مؤسسة كاملة تسمى رئاسة الجمهورية تمتد سلطتها على القضاء الجزائي وعلى أجزاء هامة للتنمية الجهوية في مجتمع تصبح فيه لوسائط كلها –أو جلّها– تابعة بدورها لرئاسة الجمهورية وتمّحي فيه تدريجيا كل الوسائط «الكلاسيكية « من أحزاب ونقابات وجمعيات وكأنّ المأمول من البناء القاعدي هو أن يستوعب كل المجتمع بكل تعقيداته لكي لا يترك فيه سوى الرئيس و«شعب المواطنين الصادقين».
كل هذا ينبئ بتعدد المعارك القادمة وبشراستها كذلك بالمضي حثيثا نحو المجهول من أجل بناء مشروع على غير نموذج سابق ..
لسنا ندري بالضبط ماهي «الاختلافات الجوهرية في وجهات النظر» التي ذكرتها مديرة الديوان الرئاسي نادية في تدوينتها يوم أمس والتي أعلنت فيها عن استقالتها المدوية،ولكن الواضح أننا إزاء جبل ثلج الظاهر فيه أصغر بكثير من المخفي، إلى حدّ الآن ..