صراع رئيس الجمهورية مع المجلس الأعلى للقضاء: محاولة إنهاء وجود المجلس بإنهاء الامتيازات

توالت في الساعات الـ36 الفارطة، خطوات الرئيس وتصريحاته المعلنة عن دخول الصراع مع المجلس الاعلى للقضاء الى اطوار متقدمة.

طور انطلق بوقف صرف المنح لأعضاء المجلس واستمر بنقد صريح ومباشر للقضاء في كل لقائته يوم أمس.
وقد خصص الرئيس نشاطه ليوم امس ليفسر بشكل ضمني سبب اقدامه على اصدار مرسوم رئاسي يقضي بوقف صرف منح وامتيازات اعضاء المجلس الاعلى للقضاء، فقد حرص خلال لقائه بكل من رئيسة الحكومة ووزير املاك الدولة ووزير الداخلية، في لقاءت منفصلة، على التطرق الى ملف القضاء ومحاولات تطهيره ممن أساؤوا استخدام الصلاحيات الممنوحة إليه.

تطهير بلغ امس مرحلة لابد من تفكيكها لفهم المراد من وقف صرف المنح، فالرئيس الذي تعامل مع المجلس الاعلى للقضاء طوال الاسابيع اللاحقة لـ25 جويلية على انه «خصم» يحول دون اصلاح القضاء وتمكينه من اللحاق بلحظة 25 جويلية، او هكذا اختزل الموقف المعلن من قبل الرئاسة بشأن المجلس الذي قدم على انه يدافع عن « القطاع» وعن «المنظومة» وان المجلس اساء فهم السلطة الترتيبية وتوظيفها.

هنا وقبل الخوض في خطوة الرئيس بوقف صرف المنح والامتيازات. لابد من الوقوف على مصطلحات مهمة في خطاب قيس سعيد. فهو يعتبر أن القضاء وظيفية وليس سلطة. والاستقلالية التي يطالب بها المجلس لا تعنى ان بإمكانه ان يقوم مقام سلطة كاملة او ان ينشئ دولة داخل الدولة. كما ان الصلاحيات الترتيبية الممنوحة للمجلس لا تجعله فوق مؤسسات الدولة بل هو جزء منها يعمل وفق قوانينها ونواميسها.

صراع يسوق له الرئيس على انه من اجل تطهير القضاء ونفي تهمة محاولة الهيمنة عليه او توظيفه. وهذا فقط عند مستوى الخطاب. فالرئاسة وفي تصورها المعلن للقضاء كوظيفة تعلن ضمنيا عن تصورها له كذراع للدولة تلاحق به من يقف امام سياساتها ومصالحها. اي ان سعيد يستبطن تصورات خاصة بالقضاء تجعله في مرتبة وظيفة لها امتيازات واستقلالية محدودة في المجال والأثر مقابل الانضباط للسلطة التنفيذية التي يجعلها الرئيس تحتكر شرعية تمثيل الشعب ومفوضة منه لإدارة الدولة وكل مؤسساتها بما فيها القضاء. لهذا فهو يرغب في ان يبسط يده بشكل مباشر على القطاع وإعادته الى «الدولة» اي ان تسترجع جزءا من الصلاحيات التي منحت للمجلس و ان يكون للسلطة التنفيذية ممثل عنها في مجالس التأديب وفي اللجان التي تنظر في المسار المهني للقضاة.

هذا الصراع الذي لم تكن احداث 25 جويلية إلاّ مسرعا له ولنسقه للتنقل من التلميح المبطن الى تعثر المرفق القضائي الى تصريح مباشر بالحرب وحملة التطهير. التي انتقلت امس الى مربع منع الامتيازات. وهو الطور الجديد. الذي عكس ان الرئيس يستبطن تصورا يقوم على قناعة مفادها ان «القضاء على الامتيازات سيؤدي الى انهاء وجود المجلس»، انهاء الوجود بانهاء الامتيازات الممنوحة لاعضاء المجلس يريد من خلاله الرئيس ان يصيب عدة اهداف بحجر واحد، فهو ولتعذر حل المجلس بسبب الانعكاسات والتداعيات السياسية لمثل هذا القرار على الرئاسة اختار ان يدغدغ «العاطفة» لجمهور غاضب بخطاب شعبوي اقتصر على «المال» اي على المنح والامتيازات التي سوقت على انها من ضروب الفساد وذلك لان من قررها هو المجلس نفسه.

فساد لا يقتصر على ان المجلس منح اعضاءه منح وامتيازات عينية بل في حمايته لبعض القضاة ممن تلاحقهم شبهات وقضايا، وهنا يكشف الرئيس عن انه يرغب من الجسم القضائي ان يعود الى مجال الدولة بهدف وقف هذه الانحرافات. هذا فقط الهدف الذي يعلنه ويشدد على انه يضمن قضاء حرا وكفؤا. دون ان يعلن انه يخوض ما يعتبره صراعا على مراكز النفوذ والسلطة مع خصومه السياسيين الذين يتهمهم باختراق المجلس وتوظيفه.

خصوم الحق بهم الرئيس المجلس الاعلى للقضاء، واختار ان يحدد نسق المعارك وأوانها. لذلك جاءت خطوة وقف المنح بمرسوم يعدل قانونا اساسيا. مما يحقق له جملة من الاهداف اولها فرض امر واقع بان المراسيم يمكنها ان تنسخ وتحل محل القوانين الاساسية، وثانيها منح الجمهور الغاضب من التونسيين «عدوا» جديد يلتحق بقائمة الاعداء ممن نهبوا المال العام دون وجه حق وثالثا نقل صراعه مع المجلس الاعلى للقضاء الى صراع على الامتيازات ولا صراعا على استقلالية القضاء.
استقلالية لا تتوفر الا متى حصّن القاضي من تاثير السلطة التنفيذية والتشريعية، اي حماية المسار المهني للقضاة وجعله خاضعا فقط لسلطة المجلس وليس اي سلطة اخرى.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115