في مناخات الانقسام ومآلاتها العنيفة: بلادنا تحتاج إلى التنوع في إطار الوحدة

لقد كرّرنا، ولن نملّ من التكرار،أن الانقسام خطر ماحق يحدق بتونس وأن مآلاته الوحيدة هي العنف بكل أصنافه والهدر القوي لطاقاتنا المادية والبشرية المحدودة بطبيعتها ..

مشاكل تونس واضحة ومعروفة : نموّ هش فاقمته سياسات عمومية غير رشيدة كذلك الضربات الإرهابية التي استهدفت البلاد خاصة في وسط العشرية المنقضية وأزمة الكوفيد ممّا قلّص من فرص الشغل وجعل البطالة تتجاوز %18 من عدد السكان النشيطين فتراجعت القدرة الشرائية لعموم التونسيين وازدادت نسبة الفقر لكي تكون في حدود خمس السكان وزاد معها التفاوت الجهوي وكاد -نتيجة كل ذلك- ينعدم الأمل في حاضر البلاد وفي مستقبلها ..
بداية إيجاد الحلول لجميع هذه المشاكل ليس مستحيلا ولئن كان طريق الإصلاح الفعلي عسيرا دوما فإنه يستوجب من الجميع مغادرة مناطق رفاههم .
لا مستقبل لنا ما لم نستثمر في الأساسي: التعليم والتكوين بهدف إنشاء أجيال من المتفوقين والمتميزين لا فقط على المستوى المحلي بل على المستوى الدولي كذلك، وذلك بتملك ناصية المعرفة في الرياضيات والعلوم واللغات وهذا يحتاج منا جميعا إلى إصلاح جذري وعميق للمدرسة لا نريد ولوجه لأنه سيجبرنا جميعا على تغييرات جوهرية في أولوياتنا التنموية والمجتمعية إذ أن المطلوب لا يكمن في تحديد المناهج وإصدار كتب مدرسية جديدة أو تغيير الزمن المدرسي أو إصلاح البنية التحتية لمدارسنا المتهرئة فقط ..المطلوب هو أولا وقبل كل شيء إنتاج التمليذ(ة) المتوفق(ة) في كل مدارس الجمهورية من السنة التحضيرية إلى الدراسات ما بعد الجامعية .وهذا لا يحتاج إلى أموال طائلة بل إلى خيارات جماعية ومجهود وطني على امتداد العقود القادمة ..
ونحن نهيئ الى هذا المستقبل لابد من الاعتناء بالحاضر كذلك إصلاح الإدارة أولا وتحويلها إلى قاطرة للتنمية وللنمو وبتغيير جذري لعلاقتنا بالنشاط الاقتصادي لكل الفاعلين من المجاميع الضخمة إلى كل نشاط فردي بنزع كل العراقيل البيروقراطية أمام خلق الثروة وبالقطع مع ثقافة سادت لمدة عقود : المستثمر متهم حتى يُثبت للإدارة براءته وتعويض المراقبة القبلية البيروقراطية بمراقبة بعدية ذات فاعلية وبتيسير الدخول في النظام الحقيقي لجلّ الناشطين في القطاع الموازي ما لم يرتبط نشاطهم بالجريمة الفردية أو المنظمة.
كما أنه علينا أن ننتبه الى حقيقة بسيطة مفادها أن جل العاطلين عن العمل اليوم لن يعودوا إلى سوق الشغل بصفة مرضية لهم ما لم يتمكنوا من مهارات أساسية وعلى رأسها تملك اللغة الوطنية واللغات الأجنبية علاوة على الملكات التقنية لكل اختصاص ..
كما أن الدولة مطالبة اليوم بإنفاق عمومي ذكي يخلق الثروة ويغير بصفة جذرية من معادلات النمو والتنمية كإنشاء مدن جامعية وثقافية وصحية وعلمية جديدة تستثمر في القيم الأساسية للثروة التونسية : الحرية والتعددية مع ضخ الذكاء في كل مجال وفي كل نشاط ..
هذه بعض ورشات الإصلاح وغيرها كثيرا، وكلُها تحتاج إلى دولة جامعة موحدة لكل التونسيين تعمل على الإنجاز وعلى رسم الخطط المستقبلية الطموحة لا على «فرز» سياسي وإيديولوجي تجاوزه الزمن.
لن تتقدم بلادنا ما لم ينخرط عموم التونسيين في مشروع وطني طموح يقفز بنا بعد عقد أو عقدين إلى مستوى الدولة الصاعدة بقوة اقتصاديا وعلميا أما لو استمرت هذه الصراعات المقسمة للمجتمع إلى أطراف متناحرة لا ترى الحل إلا في تصفية الخصوم عندها ستتيه سفينتنا في بحر من الظلمات بلا سراج منير ..
كفانا إهدارا للعقود وللفرص.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115