استمعنا إليها كثيرا منذ سنة 2014 ولكن أي حكومة لم تجرؤ إلى حدّ الآن، على تطبيقها بصفة قسرية على المجتمع...
قد لا تملك حكومة نجلاء بودن خيارا آخر أمام التردي المتسارع للتوازنات المالية الكبرى لكن المؤكد أنها كانت تملك القدرة على اختيار طريقة المصارحة والتشاركية وهي لم تعمد لا إلى الأولى ولا إلى الثانية كما أن خطاب حكومة الرئيس (أي خطاب الرئيس) كان في واد والانجاز الفعلي لحكومة الرئيس في واد مغاير تماما في توجهاته وفي أهدافه.
الفلسفة العامة التي قادت الحكومة إلى إعداد مرسوم (قانون) المالية لا نجدها في نص هذا المرسوم ولسنا ندري هل ستفصح عنها الحكومة يوما ما أم لا .. نجد هذه الفلسفة العامة في الوثيقة الخاصة التي تريد حكومة نجلاء بودن أن تتفاوض على أساسها مع صندوق النقد الدولي وتتمثل خاصة في إجراءين اثنين..
• التقليص المستمر في كتلة الأجور من 16 ٪ من الناتج المحلي الخام سنة 2021 إلى 14،5 ٪ في آفاق سنة 2025.
ووسيلة الحكومة في هذا ايقاف الانتدابات في الوظيفة العمومية (ربح متوقع في سنة 2022 بـ 415 مليون دينار) وتجميد الأجور (ربح متوقع في سنة 2022 بـ 1060 مليون دينار) مع سياسة التشجيع على المغادرة الطوعية لإنجاز مشاريع اقتصادية أو التقاعد المبكر ثم الحركية داخل الوظيفة العمومية، للتذكير لقد كانت هذه تعهدات حكومة الحبيب الصيد مع صندوق النقد الدولي سنة 2016.
• الإجراء الثاني يتمثل في رفع الدعم تدريجيا عن المحروقات أساسا في اتجاه حقيقة الأسعار في حدود سنة 2026 وستكون «المرابيح المنتظرة في سنة 2022 في حدود 1646 مليون دينار منها 1043 مليون دينار نتيجة تعديل أسعار المحروقات من جانفي 2022 إلى سبتمبر 2022 مع الرفع في معاليم الكهرباء بـ 204 مليون دينار للمؤسسات و212 مليون دينار للاستهلاك العائلي.
أما بالنسبة للمواد الأساسية سيبدأ الرفع التدريجي للدعم مع سنة 2023 وذلك بعد إحداث منصة تسمح بالتعويض المالي للعائلات الفقيرة والمحدودة الدخل.
«الاصلاح» في قاموس حكومة نجلاء بودن يتمثل إذن في جملة من القرارات الموجعة فعلا لعموم المستهلكين التونسيين وخاصة الطبقات الوسطى قصد توفير حوالي 5 مليارات دينار في سنة 2022 اضافة إلى جملة من التدابير الضريبية المختلفة والتي تتوقع الحكومة أن توفر لها 3،7 مليار دينار وهكذا نبدأ في تحقيق شروط استدامة الدين أي القدرة على سداد ديوننا في آجالها التعاقدية.
لن نتحدث هنا على قدرة الحكومة على تنفيذ كل هذه القرارات والتي ستزيد كلها في تراجع القدرة الشرائية لكل التونسيين خلال السنة القادمة.. سنتحدث هنا فقط على استدامة هذه القرارات أي على قدرتها على إخراجنا من هذه الأزمة العميقة دون إحداث هزات اجتماعية كبرى ودون مزيد اضعاف اقتصادنا نتيجة إضعاف أحد أهم روافعه وهو الاستهلاك.
عندما نقول أن الدولة ستجمد الانتدابات والأجور في الوظيفة العمومية وأنها ستشجع على المغادرة الطوعية أو على التقاعد المبكر يعني هذا مباشرة تخلي الدولة عن استيعاب ولو جزئي للوافدين الجدد على سوق الشغل علاوة على مئات الآلاف من العاطلين حاليا (لدينا الآن 763 ألف عاطل عن العمل ونسبة بطالة تقدر بـ 18،4 ٪ من السكان النشيطين). يمكن أن نقبل بهذا الاختيار شريطة أن تتوفر كل الامكانيات وأن تتوجه كل السياسات العمومية للدولة من أجل خلق فرص الشغل خارج الوظيفة العمومية والقطاع العام سواء بالانتصاب الخاص أو بالانتداب المكثف في القطاع الخاص.
هل أن هذه استراتيجية الدولة؟ وهل أنها وفرت جملة الامكانيات والأطر لتحقيق هذا الهدف الطموح كخلق حوالي مائة ألف موطن شغل في مختلف القطاعات النشيطة من فلاحة وصناعة وخدمات وحرف واقتصاد اجتماعي وتضامني؟ كل ما نلاحظه هو ترسانة من القرارات الجزئية التي يعُج بها كل قانون مالية دون سياسة قوية مهيكلة للمستقبل.
الطريقة الوحيدة التي كانت ستعطي لقرارات الحكومة الموجعة بعض الوجاهة (علاوة على التشاركية) هي رسم معالم سياسة اقتصادية نشيطة يلعب فيها القطاع الخاص والاقتصاد الاجتماعي والتضامني وكل الفاعلين الاقتصاديين الخواص دورا أساسيا في خلق الثروة ومواطن الشغل والرزق ولكن شيئا من هذا لم يحصل..
النتيجة المنطقية الوحيدة هي مزيد افقار البلاد وقدراتها ومؤسساتها دون أي أفق إيجابي وأي سند اجتماعي..
ستكون سنة 2022 سنة كل المخاطر للأسف الشديد.
مرسوم (قانون) المالية لسنة 2022: البداية الانفرادية في طريق القرارات الموجعة
- بقلم زياد كريشان
- 12:20 29/12/2021
- 1737 عدد المشاهدات
لو أردنا اختزال مرسوم (قانون) المالية للسنة المقبلة في جملة واحدة لقلنا أنه تطبيق فوقي انفرادي للقرارات الموجعة التي