بعد 5 أشهر من التدابير الاستثنائية: سلطة لا تحاور وحكومة لا تحكم

منظومة الحكم الجديدة منظومة غريبة الأطوار ..

منظومة تدّعي معاداة المنظومة وتحلم بالحلول الجديدة غير التقليدية فإذا بها تتحول إلى منظومة مغلقة ومنغلقة تتعامل مع شعبها ومواطنيها بطرق موغلة في القدم، ولا علاقة لها بالمواطنة ومستوجباتها..
يبدو أن الطريقة غير التقليدية التي ابتدعتها سلطة التدابير الاستثنائية هي رفض الحوار مع كل مكونات المجتمع التونسي وتركيز كل السلط في يد شخص واحد أحاط نفسه ببطانة يقتصر دورها على أن تكون رجع الصدى لصوته وأفكاره فقط ليس إلا .. منظومة حصرت كل الشرعية والمشروعية عند ساكن قرطاج ونسيت أن مبدأ المساءلة هو الركيزة الأساسية للحكم الحديث ..
لقد أصبح واضحا لدى الجميع أن لرئيس الدولة أولوية واحدة هي قلب كل معطيات الحكم من هندسته أولا إلى ممارسته أخيرا بفضل النظام القاعدي الذي يريد فرضه عبر الاستفتاء بعد «الحوار» مع الشباب على المنصات الافتراضية واثر التقليص الأقصى لكل فضاءات الأجسام الوسيطة من جمعيات ومنظمات وأحزاب والحطّ من شأن النخب ودورها وخاصة تلك التي تعارضه أو حتى تلك التي تتحفظ على جوانب من حكمه ..
هذا التصور «الجديد» للحكم أفرز حكومة لا تحكم ولا تتكلم،حكومة يقتصر دورها على التنفيذ والتنفيذ فقط..
لدينا الآن حكومة لا تعتبر نفسها مسؤولة أمام المواطنات والمواطنين وانه ليس عليها واجب المساءلة من أية جهة كانت سوى القصر الرئاسي فقط لا غير ..
حكومة تتعامل مع المواطنين دافعي الضرائب كما لو كانوا قصّرا لا رأي لهم في حاضر ومستقبل بلادهم وهم مسلوبو الإرادة تحت شعار «الشعب يريد» وكأنّ الشعب غير المواطنين وكأنّ الشعب قد اختُزل كله في إرادة الرئيس وتوحد معه إلى حدّ الفناء .
في الحقيقة تتحادث الحكومة (ولا نقول تتحاور) ولكنها لا تتحادث مع التونسيين بل مع الجهات المانحة وأساسا مع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وهي لا تعرض الخطوط الكبرى لقانون المالية لسنة 2022 إلا على هذه الجهات ،نقول تتحادث لأنها لا تملك إزاء هذه الجهات القدرة على الحوار النّدّي وهي مضطرة الى وضع جملة من «اقتراحات « هذه الجهات في قانون (أو بالأحرى مرسوم) المالية حتى تثبت لها أنها في طريق «الإصلاح» ودون تعقيدات كبرى ستترجم كل هذه «الإصلاحات» في أعباء جبائية أو غير جبائية جديدة ولن يتحمل مسؤوليتها سوى التونسيين (أو بعضا منهم) كذلك المؤسسة الاقتصادية المهيكلة والمنظمة في الأغلب الأعم ..
في المحصلة نحن لن نُشرّك في الاختيارات ولن يتحادث احد معنا .. علينا فقط تطبيق كل هذه القرارات التي ستحد من مقدرتنا الشرائية ..
في النهاية نحن لسنا بصدد مقايضة مواطنتنا النسبية برفاه نسبي بل بصدد خسارة الاثنين معا ..
قديما قال الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة متحدثا عن شعبه «يقادون إلى الجنة بالسلاسل» ..
نحن الآن نقاد دوما وبالسلاسل أحيانا .. أما الجنة فتلك مسألة أخرى.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115