بعد أن اعتبره وظيفة: ماذا يريد قيس سعيّد من القضاء ؟ !

لا يكاد يمرّ أسبوع في هذه الأشهر الأخيرة دون أن يتحدث قيس سعيد عن ضرورة تطهير القضاء وأن يكون في مستوى هذه «اللحظة التاريخية» التي يعتقد أن البلاد بصدد المرور بها..

ويكاد اهتمام رئيس الجمهورية ينحصر في موضوع «تطهير القضاء» بمحاسبة رموز فساد المنظومتين ما قبل 17 ديسمبر 2010 ولكن خاصة ما قبل 25 جويلية 2021 والموضوع الأساسي في كل هذا ترتيب العقوبات الانتخابية والجزائية على تقرير محكمة المحاسبات حول الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2019.
يوم أول أمس - عند استقباله للمسؤولين الأول في الأقضية الثلاثة (العدلي والإداري والمالي) والمجلس الأعلى للقضاء كرر قيس سعيد مرّة أخرى ضرورة ترتيب العقوبات القضائية وفق ما يعتقد أن تقرير محكمة المحاسبات قد أثبته بصفة قطعية مضيفا – وهذا الجديد- أن القضاء وظيفة من وظائف الدولة وأن استقلاله لا يعني البتة استقلالا عنها..وكأنه بذلك يمهد لإجراءات يراها حاسمة يوم 17 ديسمبر الجاري ولعلّ حلّ المجلس الأعلى للقضاء ،أو على الأقل تنقيح قانونه الأساسي بمرسوم رئاسي من بين ما ينتظر أن يعلن عنه رئيس الدولة ..
ماذا يريد قيس سعيد ،في نهاية الأمر،من القضاء ؟

أضحت كل عناصر الإجابة متوفرة الآن : يريد رئيس الجمهورية أن ينخرط القضاء بصفة كلية في مسار 25 جويلية إي أن يثبت ، قضائيا ،أننا كنا نعيش في منظومة فساد وإفساد وأن كل مؤسسات هذه المنظومة ، وخاصة البرلمان، فاقدة للشرعية وللمشروعية وأن كل ما نجم عنها من قوانين ومؤسسات وقرارات لاغ وحكمه الآن في حكم المعدوم.
لماذا يحتاج قيس سعيد إلى القضاء ،وهو الآن الحاكم الذي جمع كل السلطات التنفيذية في يديه؟وهل يريد من القضاء إسقاط قائمات النهضة وقلب تونس ومحاكمة نبيل القروي ثم الدعوة لانتخابات تشريعية جزئية لسدّ هذه الشغورات فقط ؟
لنبدأ بالسؤال الثاني : المنطق القانوني الصرف يقول انه لو تمّ إسقاط قائمات لهذين الحزبين كليا أو جزئيا تقوم هيئة الانتخابات بتنظيم انتخابات جزئية – بعد دعوة رئيس الدولة للناخبين – لسد هذه الشغورات..

ولكن أي معنى لكل هذا المسار ما دام البرلمان الحالي معلق الصلاحيات وانه لا نية لصاحب قرطاج في إعادة هذه المؤسسة إلى الحياة تحت أي مسمى من المسميات؟! هل نحن أمام عبث قانوني وسياسي يقول بإسقاط قائمات دون تعويضها وفق الصيغ القانونية ؟

الحقيقة ان قيس سعيد لا يريد اسقاط قائمات بعينها من الناحية القانونية بل من الناحيتين السياسية والأخلاقية للتخلص إلى نتيجة واحدة : البرلمان المجمد برلمان فاسد شكلا ومضمونا،أغلبية ومعارضة،هو فاسد بالجوهر لا بالعرض وأحكام الإسقاط هي الدليل القضائي لهذا السقوط وهي التي تشرع إلى ضرورة الانتقال إلى منظومة سياسية وانتخابية جديدة لا علاقة لها بهذه الديمقراطية التمثيلية الفاسدة بطبعها،وقيس سعيد يحتاج ليقول للعالم قبل عموم التونسيين انه لم يقص منافسين سياسيين من السباق بل ان القضاء هو الذي أقصى الفاسدين من الحياة العامة .

والهياكل المسيرة للقضاء هي اليوم أمام حلين لا ثالث لهما: إما القبول بأداء هذه «الوظيفة» أو التخلي ،طوعا أو كرها،لكي يقوم بهذه «الوظيفة/ المهمة» القضاة «الشرفاء» .

وهنالك مغنم آخر قد لا يكون قصده قيس سعيد وهو إيهام عموم الناس بأن مسار 25 جويلية متواصل وانه بعد إنجاز حلّ البرلمان هنالك إنجاز حل المجلس الأعلى للقضاء،أو الإبقاء عليه كهيكل صوري دون أي صلاحيات وإرجاع القضاء، كوظيفة تعود إلى وزيرة العدل بالنظر إليه لا فقط كعلاقة إدارية بل كعلاقة مضمونية كما هو الحال في كل الأنظمة الاستبدادية ..

معركة استقلال القضاء ستكون أحد أهم عناوين المرحلة القادمة دون شك واحد أهم المؤشرات على تصور قيس سعيد لا لدور القضاء فقط بل لطبيعة السلطة التي يريد إرساءها زمن الإجراءات الاستثنائية وبعدها كذلك.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115