تنامي العنف ضد النساء في الفضاءين العام والخاص: متى سنضع حدا للإفلات من العقاب ؟

منذ بضعة أيام تزينت بعض الشوارع الرئيسية في المدن التونسية بلافتات تحتفى فيها السلطات الرسمية باليوم العالمي

لمناهضة العنف ضد المرأة الموافق لـ25 نوفمبر من كل سنة لتعلن عن انطلاق حملة وطنية تشمل 16 يوما من الانشطة.
هذا الاحتفاء باليوم العالمي لمناهضة العنف والتصدي له يكشف عن أن الدولة ومؤسساتها تنخرطان - على الاقل في مستوى الخطاب والنوايا- في مجهود مقاومة العنف ضد تونسيات وتونسيين والحدّ منه لكن ورغم هذا الانخراط لم تفلح سياسات الدولة وقوانينها في الحد من العنف ذلك أن المؤشرات التي وقع الكشفت عنها خاصة في ظل جائحة كوفيد-19 وما لحقها، تبين اننا امام استشراء للعنف وانتشاره في الفضاءات العامة والخاصة التي لم تعد فضاءات امنة للنساء، ومن مؤشرات ذلك ان امرأة من اصل اربع تتعرض للتحرش والعنف في وسائل النقل العمومي.
أما عن تطور مؤشرات العنف في الفضاءات الخاصة، لدينا رقم مفزع وهو ان العنف الزوجي يستأثر بنسبة تقارب 75 % من حالات العنف ضد المرأة المبلغ عنها على الخط الأخضر 1899 في الفترة الممتدة من 1 جانفي إلى 30 سبتمبر 2021.
هذه المؤشرات تكشف اننا ازاء واقع، قد لا يكون استثناء تونسيا، ينتشر فيه العنف رغم ما تعلنه الدولة من سياسات مناهضة له وما يصدر من قوانين، وهو ما يعنى اننا نسير على قدم واحدة، ونغفل عن فهم تعقيدات الظاهرة المجتمعية.
فلو امعنا النظر سنجد اننا نحارب ما نجهله، والقصد هنا ليس أننا لا نعرف العنف فهو جاثم امامنا ماديا او معنويا ويمارس بشكل يومي في ظل التطبيع المجتمعي معه وغض البصر الذي تبديه الدولة في العديد من الاحيان. والذي يعبر عنه خطاب رسمي يكرر بشكل غير مفهوم عبارات «ضرورة تفعيل القوانين» كالتي تصدر عن مسؤولين في وزارة المرأة والطفولة وكبار السن.
هنا نصبح امام تناقض صارخ فالدولة تقر عبر مؤسساتها انها امام معضلة تفعيل قانون اصدرته مؤسستها التشريعية منذ سنوات لكنه لم يفعل. والقصد هنا من التفعيل تطبيقه من قبل اعوان الدولة وموظفيها على المعتدين والمنتهكيين.
وهذا بدوره يضعنا، و-ان كانا هذا التفسير هو المستوى صفر-، امام حقيقة ان الجهاز التنفيذي والرقابي للدولة التونسية يشجع على الافلات من العقاب في قضايا العنف ضد المرأة. والسبب كما تعبر عنه دراسات رسمية او تقارير «العقلية» التي تهيمن على المجتمع وصعوبة الوصول الى مسارات الرعاية والتأهيل بالنسبة للنساء المعنفات.
بهذا القول نمارس الاختزال الذي لا يختلف عما تمارسه مؤسسات رسمية من قولبة ورفض لإنصاف ضحايا العنف. فالعنف ضد المرأة في منظور الدولة التونسية ومؤسساتها وقسم هام من المجتمع يُختزل في الصورة النمطية عنف مادي او معنوي يسلط على المرأة من قبل شخص يستبطن ان له السلطة عليها. اب او اخ او صديق او زوج او مدير او موظف في الدولة كعون الامن الذي يمنح نفسه سلطة تقرير قبول التظلم والشكاية او رفضها تحت مسمى «حماية الاسرة».
هذا للأسف ما نحن ازاءه مقاربة كلاسيكية تبين منذ سنين عدة محدوديتها وعدم قدرتها على معالجة ظاهرة العنف المستشري. وان مقاومة هذا العنف والحد منه بالقوانين او بالانشطة والحمالات يجب ان تنطلق من مقاربة النوع الاجتماعي.
فالعنف ضد المرأة في الفضاء الخاص او العام. بأشكاله العديدة ممارسة تسلطية تنطلق من تحديد للأدوار والمواقع في المجتمع وفق صور نمطية ومخزون من العادات الموروثة والمكتسبة تبرر عدم تمكين المرأة من فرص مساوية للرجل في الفضاءين العام والخاص ويحدد دورها ويفرض عليها قواعد واطر عامة لا يسمح بأن تغادرها وإذا غادرتها فإنها تتعرض للعنف المادي والمعنوي، ويمكن العودة لما حدث لحارسة مرمى منتخب ايران للسيدات، لندرك ان بنى الهيمنة المحاصرة للنساء والسالبة لحقوقهن وحرياتهم لا تترك تفصيلا دون تدخل فيه، ميلوها الجنسي والجمالية والوظائف والدور والموقع في البيت وفي الفضاء العام.
هذا ما نحن ازاءه، عنف تتبنى الدولة الحرب عليه في مستوى الخطاب والقوانين، ولكنها لا تبدى اي استعداد لوضع حد لسياسة التمييز والانحياز السلبي ضد المرأة والكوريين ومجتمع الميم، هي ترسم قوالب ونماذج للأدوار والوظائف وتحدد الشكل المثالي المسموح به في الفضاءين العام والخاص. لا يسمح بالخروج عنه.
رفض الدولة التونسية بمؤسساتها وأجسامها الوسيطة ومجموعاتها ان تعيد النظر في توزيع الادوار والمهام في الفضاء العام والخاص، هو تحيز ضد النساء وكل النوع الاجتماعي المغايير للصورة التقليدية، رجل وامرأة تحدد تركيبتهما الجسمانية حقوقهما وواجباتهما.-
هذه الصورة هي ما أسست للهيمنة الذكورية على الفضاءات وهي تسمح لمعتنقيها بممارسة العنف وتبريره. صورة تسجل حضورها في الممارسات اليومية الواعية وغير الواعية، في سلوك الدولة وأفرادها الذين يستبطنون التحيز ضد النساء بشكل غير واع او بوعي منهم.
اليوم ونحن نحيي هذه الانشطة المناهضة للعنف ضد المرأة، لا يجب ان نبخس حق ما انجز والتقدم وان بخطى بطيئة ولكن حان وقت إعادة رسم سياساتنا العمومية وتصورتنا المجتمعية من مقاربة شاملة تنطلق ان النوع الاجتماعي من ذكر وانثى، وان الادوار والوظائف لا تحددها بنيتنا الجسمانية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115